للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نظرة إلى التجربة الجزائرية]

السؤال

بالنسبة لموضوع الأصولية، وكما طُرِحَ قبل قليل بأنه تستغل بعض الأخطاء التي تصدر من بعض الحركات الإسلامية، ومن ثم تُشوه بها سمعة هذه الصحوة على وجه العموم، ولدينا تجربه مثل الجزائر وغيرها من البلدان، فكيف تقيمون التجربة الجزائرية؟ وما هي في نظركم الإيجابيات والسلبيات التي برزت من خلال ممارسة الحركة الإسلامية في الجزائر.

؟

الجواب

أما تضخيم الأخطاء أو النفاذ منها إلى الطعن في الدعوة الإسلامية فهذا أمر واقع، ولكن ما هو الخطأ؟ الخطأ في نظرنا نحن الذين نزن الأمور بميزان الكتاب والسنة، شيء، والخطأ في نظر الغرب وأتباعه شيء آخر، قد يكون العمل صحيحاً وسليماً ومستجمعاً لشروطه الشرعية الصحيحة، ولكنه يكون عند أعداء الدين خطأً، ويستغل ويضرب باسمه العمل الإسلامي والدعوة الإسلامية.

لكن على مفهومنا -نحن- للخطأ نقول: نعم الدعوة الإسلامية وقعت في أخطاء، وتقع في ذلك، ولا أرى غرابة فيه؛ لأن أمة نامت بضعة قرون في غفلة، وبُعدٍ عن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وخيم عليها الاستعمار البغيض، أو الاستعباد الكالح البغيض، وأراد أن يمسخها ويطمس هويتها، لا نتوقع منها أن تفيق في أيام معدودات أو بضع سنوات، والصحوة في الجزائر أوضح مثال على ذلك، فهو شعب مسلم -والحمد لله- متدين بفطرته، وغيور وشجاع ومقدام بطبيعته وبفطرته.

ولكن هل مرت هذه الدعوة بمرحلة التمحيص والتربية على منهج علمي، عقدي، دعوي، متوازن شامل، كما مرت غيرها من الجماعات الإسلامية كدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، عندما أخذت واهتمت أولاً بجانب العقيدة والعلم الشرعي، ثم بدأت قليلاً قليلاً، وكان الاعتماد والتركيز على ترسيخ مفهوم العقيدة الصحيحة في القلوب، وتحويل هذا الاعتقاد إلى طاقة عملية؟ في الواقع أن الوضع في الجزائر كان فيه نوع واضح من التعجل في قطف الثمرة، وربما كان هناك -أيضا-ً شيء من الإعجاب بهذه الجماهير المتجمعة التي لا ينقصها الحماس، ولا نشك -إن شاء الله- في حماسها، لكن الحماس وحده لا يكفي، فلا بد من المرور بهذا المنهج والتمحيص، ولذلك نجد من نكص على عقبيه، وخرج من الصف الإسلامي بالكلية، ومن باع نفسه للسلطة، ومن فعل أفعالاً كثيرة تدل على أن الصف لم يمحص في الأصل.

ومن حكمة الله تعالى كما نجد في سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -كما تعلمون- في آيات غزوة أحد من آل عمران وغيرها، نجد أن هناك تمحيصاً وابتلاءً وتنقيةً للصف في النهاية، ما كان أصحاب الضرار إلا فئة معدودة محصورة من المسلمين، وبقيت قلة قليلة ضئيلة من المنافقين تعيش في غمرة المجتمع الضخم الكبير، ويعرف المسلمون بعضهم ببعض علاماتهم، ويعرف القلة من المنافقين حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يعرفهم بأسمائهم، فما لم نصل إلى دقة التربية مع ترسيخ مفاهيم العقيدة وتصحيحها في الناس إلى مثل هذا، فإنه لن نتوقع إلا نتائج سريعة، وهذه النتائج السريعة تتعوض سريعاً.

وهنا أرى أنه يجب أن أؤكد على أمر، وهو: ألاَّ يصيبنا ذلك بإحباط أو خيبة أمل، فهذه ليست إلا محاولة تخفق وستنجح، وإنما نجاحها مرهون بتطبيق الكتاب والسنة وفهمهما فهماً صحيحاً، والدعوة إليهما على منهاج النبوة، ومنهج السلف الصالح، هذا هو الذي يجب أن يكون، وهو العبرة الكبرى التي تؤخذ من هذه الأحداث.

وأنا -في الحقيقة- أعتبر أن ما حدث في الجزائر وغيرها، هو تقدم بالنسبة للعمل الإسلامي لو لم يكن فيه إلا التجربة.

وأنا أقول أيضاً بالإضافة إلى التجربة فهو تقدم في بعض المجالات وحسبك أنك ترى أن الأمة الإسلامية وأن الشعب في كل الولايات يشعر شعوراً عاماً وإسلامياً موحداً، هذا أمر يُعد تقدماً بالنسبة لأمة كان يراد لها أن تمسخ وأن تصبح قطعة من الأمة الفرنسية لا دين لها ولا عقيدة.

فلاشك أن هذا تقدم، وأن هذا الشعور وهذا الحماس وإن خمد، فإنه بإذن الله قابل لأن يعود في المستقبل، ولهذا لم يذهب سدى؛ بل تخوف الاستعمار منه والغرب، فلقد أوعزوا إلى المغرب، وليبيا، وتونس، أيضاً أن يقوموا بضربات مماثلة.

وأظننا سمعنا قريباً في هذه الأيام ما حدث في تونس وما يحدث في دول أخرى من مثل هذه الأعمال، ولكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تعهد فقال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُه} [الحج:٤٠].