للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السلام العالمي الجديد وتأثيره على العالم الإسلامي]

السؤال

نحن نلمس أن أي تحرك لأي اتجاه إسلامي في أية بقعة من بقاع الأرض يضرب بشدة، وتخشى الدول الاستعمارية من أن تقوم للمسلمين قائمة، وما حدث في الجزائر وغيرها من البلدان من أكبر الأدلة على هذا، ونحن نجد أنهم الآن يتوجهون بدعوة براقة، وهو ما يسمى بالسلام العالمي، والنظام العالمي الجديد، فما رأيكم في مدى تأثير هذه الدعوة على العالم الإسلامي؟

الجواب

الغرب له تجاربه وله خططه في هذا المجال، وما يُسَّمى النظام الدولي الجديد أو السلام العالمي الذي سيحل في هذا النظام هو شعار غامض، كما صرح زعماء الغرب.

أي: أنه ليس فكرة محددة، وإنما هو بهرج وستار لأحداث معينة بدأت بعض بوادرها تظهر، والبعض الآخر سيظهر مع الزمن.

النظام العالمي أو النظام الدولي الجديد هو في حقيقته تمكين للعالم النصراني بزعامة أمريكا من السيطرة على العالم.

وكما ذكرت أن له تجاربه في ذلك، ونستعرض تجربتين قريبتين: التجربة الأولى: أنه عندما قامت الحرب العالمية الأولى وكان يراد بها تقويض الدولة العثمانية وما يتبعها من الدول، وكان معظم العالم الإسلامي ومنطقة ما يسمى بالشرق الأوسط تابعة لها، فقوضت الدولة العثمانية وهدمت، وتمت سيطرة أوروبا على المنطقة بحجة الانتداب، والانتداب هو: أن تنتدب عصبة الأمم دولة معينة على دولة معينة، فانتدبت إيطاليا مثلاً على ليبيا، وانتدبت بريطانيا العراق وفلسطين، وانتدبت فرنسا على بلاد الشام، والصومال قُطِّعت، فكل دولة انتدبت على جهة، وسموه الانتداب.

وقالوا: إن المقصود من الانتداب أن هذه الدول إلى الآن عاجزة أن تدير شؤونها بنفسها، وتحت المظلة الدولية التي هي عصبة الأمم في ذلك الزمن تتم إدارتها انتداباً حتى تقوم على ساقها وتنهض، وكما نعلم جميعاً أن هذا هو الاستعباد الذي يسمونه الاستعمار، هذه هي حقيقته، انكشفت الحقيقة وتجلت واضحة للدول كلها في العالم كله، فقامت الحرب العالمية الثانية وأريد التخلص من هذه الصورة من صور الاستعباد.

وجاءوا بفكرة تقرير المصير، وتغيرت اللافتة الدولية من عصبة أمم إلى هيئة الأمم وميثاق سان فرانسيسكو، وقالوا: لا بد من إعطاء الشعوب حق تقرير المصير، الذي تطمح إليه كل الشعوب، بمعنى أنها تستقل وتتحرر، ولكن تقرير المصير هو مشروط بأن تكون في المسار الديمقراطي وهو ظل الشرعية الدولية التي هي عصبة الأمم، فالحلفاء هم الذين يمثلون الديمقراطية، وأعداؤهم يمثلون الاستبداد والديكتاتورية الخ.

وقامت الأمم المتحدة بناءً على هذا الشعار، وتسلط الطواغيت الخمسة الكبار على مجلس الأمن الدولي وعلى بقية العالم.

وكان أكثر تركيز للعداوة هو على العالم الإسلامي الذي استبعد كلياً أن يكون له وجود دائم في مجلس الأمن؛ بل هو مطمع الدول جميعاً، وهو مطمح أنظار كل الغاصبين والمعتدين والمجرمين لنهب خيراته وثرواته وتقطيع أوصاله ومنعه من القيام بأي دور حضاري أو رسالي في هذه الحياة.

وعندما برز العملاق الشرقي كما كان يُسمى، وجد الغرب أنه لا بد أن يقضي عليه، وعملوا لذلك، وأثمرت هذه الجهود فيما نراه هذه الأيام من هذا الانهيار المتسارع في تلك الامبراطورية الضخمة.

احتاجوا إلى شرعية -كما يسمونها أي: مسوغ ومبرر جديد- للسيطرة على العالم ولا سيما على هذه المنطقة التي أصبحت تمثل العدو الحقيقي في المستقبل للغرب.

فجاءوا بشعار جديد هو شعار الشرعية الدولية والنظام العالمي الجديد، هذا النظام تكون أمريكا هي الشرطي الوحيد فيه الذي يكون مدججاً بكافة أنواع الأسلحة، والبقية هم من السكان الذين لا يختلفون، وإن اختلفوا فهذا الشرطي يأتي ويقمع هذا، ويردع هذا، ويسجن هذا، ويضرب هذا، ولكن تحت مظلة الأمم المتحدة والشرعية الدولية والنظام العالمي الجديد.

والمستفيد الأكبر من هذه الشرعية المزعومة التي لا شرع لها -لأن الشرع في الحقيقة هو ما شرعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو الشرع الذي نؤمن به نحن المسلمين- والمستفيد الوحيد منها هم اليهود بالدرجة الأولى في هذه المنطقة وأمريكا عموماً بالنسبة للسيطرة على العالم وامتلاك ثرواته ومقدراته وفرض هيمنة الإنسان الغربي الدينية والأخلاقية والفكرية والحضارية عموماً على بقية شعوب العالم.