للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التحلي بمشاعر الحب]

أيها الإخوة: لا يكفي أن نتعلق بالله -ونسألُ الله تعالى ذلك- ونتعلق بحب الله وما أضعفنا في ذلك، ثم نترك الناس يتعلقون بما شاءوا ويحرمون من هذا الخير، بل نحبه لأنفسنا، ونرثي لحالهم، فهم والله مساكين، كما قال هذا العالم من السلف: (مساكين الذين ما عرفوا الله).

والله! إن الذي تفوته حلقات الذكر مسكين، والذي تفوته الصلاةُ جماعةً مسكين، والذي لا يحجب زوجته وبناته ويمنعهن من النظر إلى ما حرم الله مسكين، هذا يستحق الرثاء.

ولذلك كان بعض السلف يستعين على دعوته، برثائه للخلق وبرحمته لهم، وله أسوة برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح الدم عن وجهه، ويقول: {اللهم اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون!} إن الناس لا يعلمون أننا نُحب لهم الخير، فتراهم إذا نظروا إليك أحياناً يكادون أن يزلقوك بأبصارهم وأن يبطشوا بك، وأنت لا تريد لهم إلا الخير، حتى الذي ترى أنه أعدى عدو لك، أو أنه يمكن أن يتسلط عليك ويقتلك ويفعل بك ما يشاء، فإنك تحبه وتريد له الخير، وتقول له: إذا تبتَ وآمنتَ فأنا أغفر لك وأسامحك من كل شيء، حتى وإن كنت قد فعلت بي ما فعلت وأسأت إليَّ ما أسأت، فما دمت قد عرفت الله وتبت إليه، فغفر الله لك! ونحن من اليوم إخوة أحبة في الله، فنحن لا نريد منهم شيئاً.

لكن هل يعلمون أننا نُكِّنُ لهم هذا الشعور؟! ما أظن كثيراً منهم يعلم بذلك، لأننا ما أشعرناهم بذلك وما أعلمناهم به، وما رأوه منا، ولهذا يتصور كثير من الناس أن هؤلاء الدعاة وهؤلاء الشباب وحوش، ينتظرون الفرصة لينطلقوا عليهم ويفتكوا بهم ويعبثوا بهم، كالذئبين الجائعين إذا فتكا بفريسة! ونحن لا نريد لهم إلا الخير فدنياهم هذه التي يخافون عليها لن ننافسهم على شيء منها، ولو كانت أضعافاً مضاعفة! فلا نبالي بشيء منها ولا نريدها، إنما نريد وجه الله، ونريد ما عند الله، ونريد أن يحرروا أنفسهم من العبودية لغير الله؛ فالدراهم والدنانير والزوجة والمجلة والفيلم والشهوة كلها عبوديات.

فأقول يا إخواني الكرام: ليجعل كل واحد منا له ورداً من كلام الله وكلام رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا وردت هذا المورد العذب الزلال، وتنعَّمت بهذه النعمة، فاقطف من ثمراتها شيئاً، وقدمه لجيرانك ولإخوانك ولزملائك في العمل ولمن تحب ولمن تستطيع أرسل به رسالة إلى واحد في آفاق الدنيا، واصرف في ذلك من مالك؛ سواءٌ كان في أمريكا، أو في الشرق، وفي الغرب، وبين له هذا الخير وهذا النور، فقد يفتح الله على يديك ما لا تعلم.

نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يوفقنا وإياكم لهذا، إنه سميع مجيب.