للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سقوط الكنيسة الغربية]

أما الكنيسة القبطية التي في مصر فقد اضمحلت -ولله الحمد- وتلاشت إلا ما بقي من الأقباط، وبدخول محمد الفاتح إلى القسطنطينية سقط معقل الكنيسة الأرثوذكسية، أي النصف الشرقي من العالم الصليبي النصراني، سقط في أيدي المسلمين وبقي من العالم القسم الغربي وهو الذي قاعدته روما.

يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الذي رواه الإمام مسلم: {تغزون جزيرة العرب فيفتح لكم، ثم تغزون فارس فيفتح لكم، ثم تغزون الروم فيفتح لكم، ثم تغزون الدّجال فيفتح لكم}.

وبهذا الترتيب نجد أن الذي وقع فعلاً هو ذلك، فـ جزيرة العرب فتحت في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانتهى أمرها، وثبتت في أيام أبي بكر بعد القضاء على المرتدين، وظلت وستظل بإذن الله قاعدة للدين الإسلامي {لا يجتمع فيها دينان} كما أخبر بذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا خبر ولكنه حكم يجب أن لا يجتمع في جزيرة العرب دينان، فلا يبنى فيها كنيسة ولا معبد لأي دين من الأديان، ولا يقيم فيها غير مسلم إلا الإقامة المؤقتة، لا يسكنها ولا يقيم فيها اليهودي ولا النصراني إلا بصفة مؤقتة للضرورة، وإلا فهي معقل الإسلام الذي يجب أن يصان عن رجس الشرك.

{ثم تفتح فارس} وقد فتحت فارس فتحاً كاملاً، اجتاح المسلمون ملك كسرى إلى أن وصلوا إلى حدود الصين، فكسرى مزق كتاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يمزق ملكه، فمزق الله ملكه ولم يبق منه شيء، وهرقل احترم كتاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -هذه إحدى الدلالات البينات من دلائل النبوة، وكاد أن يسلم كما أشرنا- فبقي له جزء من الامبراطورية الغربية بعد أن تقدم المسلمون إلى بلاد الشام وإلى أن حاصروا القسطنطينية في أيام معاوية بن أبي سفيان، ثم من بعده رضي الله عنهم.

قال: {ثم تفتح الروم} والفتح الحقيقي للروم كما يظهر من الحديث -لأنه قال {ثم الدجال} - يكون إذا فتحت المدينة الأخرى وهي مدينة روما، وحينئذ تكون الكاثوليكية أو بمعنى آخر: تكون قاعدة الدين النصراني الكبرى قد سقطت هي الأخرى في أيدي المسلمين كما سقطت من قبل مدينة هرقل وهي قاعدة الكنيسة الشرقية، ونتيجة لذلك لن يقوم للنصرانية قائمة بعد ذلك بإذن الله تبارك وتعالى.