للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحكمة من اقتران الإيمان باليوم الآخر مع الإيمان بالله]

السؤال

أغلب النصوص القرآنية التي تتحدث عن الإيمان باليوم الآخر، تربطه بالإيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, فما الحكمة من اقتران الإيمان باليوم الآخر بالإيمان بالله؟ ولماذا لم يذكر أي ركن آخر من أركان الإيمان مع الإيمان باليوم الآخر؟

الجواب

قد ورد في غيرما آية من الكتاب ذِكَر الإيمان باليوم الآخر مع الإيمان بالله عز وجل، ولكن أيضاً قد وردت أركان الإيمان الأخرى مع الإيمان بالله كالإيمان بالملائكة والكتب والرسل.

فليس الأمر على إطلاقه، وأما الحكمة فنحن نتلمس ونحاول, ولكن قد لا يكون ما نقول هو عين الحكمة؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أنزل القرآن، وفيه من الحكم والعبر والعظات ما لا يطيقه كل أحد وما لا يستطيع أن يستوعبه أو يفهمه كل أحد، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي منَّ علينا بهذا القرآن، وأنزله شفاء ورحمة وهدى، وأمرنا أن نتدبره ونتفكر في آياته الكونية والمحسوسة، وأيضاً آياته المنزلة وهو كلامه الحكيم.

ذكر الإيمان باليوم الآخر مقروناً بالإيمان بالله, لأن الإنسان الذي لا يؤمن باليوم الآخر لا يكون مؤمناً بالله -تبارك وتعالى, والإنسان إذا لم يؤمن باليوم الآخر, فلا معنى لكونه يكون مؤمناً بالله في هذه الحياة الدنيا؛ لأن العمل في الحياة الدنيا يرتبط أساساً بالإيمان بالآخرة.

وأيضاً لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى غيب، وكذلك اليوم الآخر من أمور الغيب؛ فذات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من الغيب, وإنما أخبرنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بصفاته، وعرَّفنا بنفسه عز وجل، وكذلك عرَّفنا باليوم الآخر وبأحواله.

وأيضاً لأن أول علامة للمؤمنين أنهم يؤمنون بالغيب، وهذه أول ميزة وعلامة, ثم تتفرع عنها بعد ذلك كل أمور وشعب الإيمان؛ والذي لا يؤمن بالآخرة لا يمكن أن يعيش الحياة الإيمانية، وإن قال: أنا أومن بالله؛ فإن ذلك لن يكون إلا فكرة في عقله أو خاطرة في فؤاده، ولا يكون حقيقة واقعة في حياته.

ومن هنا نعلم أهمية الإيمان بذلك اليوم, والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُذكِّرنا بذلك -أيضاً- في هذه السورة العظيمة في السبع المثاني، والتي أنزلها الله تبارك وتعالى على نبيه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي أعظم ما أنزله الله تبارك وتعالى في الكتب جميعها, وهي سورة الفاتحة, وفيها عرفنا الله تبارك وتعالى بنفسه، وبأنواع التوحيد {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢] توحيد الربوبية.

{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:٣] توحيد الأسماء والصفات.

{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:٤] فيها الإيمان باليوم الآخر.

ثم بعد ذلك {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥] توحيد الألوهية، الذي هو أول واجب على العباد، والذي بعث الله تبارك وتعالى به الرسل، وأنزل به الكتب.

فيأتي الإيمان باليوم الآخر بين ثنايا أنواع التوحيد، وبأنه تعالى مالك يوم الدين، لأن من لم يؤمن باليوم الآخر وبأنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو مالك ذلك اليوم العظيم، فإنه لا ينفعه إقراره بربوبية الله أو بأسمائه، أو بأن الله وحده هو المعبود، وبالتالي فلا يرجو ثواب الله وما عند الله في اليوم الآخر.

ولهذا قال السلف الصالح رحمهم الله تعالى تلك العبارات العظيمة: [[من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق -الذين يقولون: إننا نعبده لذاته ولا نرجو الآخرة، ولا نطمع في الجنة، ولا نخاف من النار فهؤلاء زنادقة- ومن عبد الله بالخوف وحده فهو حروري -أي: خارجي- ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو المؤمن]] نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المؤمنين!