للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وحدة المسلمين تكون بالاجتماع على الكتاب والسنة]

السؤال

ألا ترى بأن التركيز على منهج أهل السنة يعتبر معاداة للملل والفرق الأخرى، وبالتالي فإنه يؤدي إلى نبذ الوحدة بين المسلمين, واليوم نحن في حاجة إلى الوحدة وهدم الخلاف وترك التشكيك في بعضنا؟

الجواب

لا خيار لنا في أن ندعو إلى السنة، وهذا الأمر ليس من النوافل ولا من التطوعات, بل هو الواجب الذي يجب على طلاب العلم جميعاً وعلى الدعاة إلى الله وعلى كل مسلم أن يدعو إلى السنة وإلى منهج أهل السنة والجماعة، ليس لنا خيار في ذلك؛ لأن ما عدا السنة هو البدعة وهو الضلالة, أما أن ذلك يفرق فننظر يفرق بين من؟ إن كان يفرق بين أهل السنة، فإن هذا لا يتصور, لأن أهل السنة إنما يريدون السنة ويريدون الحق، فلا يمكن أن يفرق بينهم من يدعوهم إلى السنة، وليس عند أهل السنة شيء أفرح من أن يظهر فيهم أو يدعوهم أحد إلى السنة، ويبينها لهم ويعرف أنهم كانوا على خطأ، ثم ظهرت لهم السنة، أو كانوا على بدعة فبانت لهم السنة، هذا أحب شيء إلى نفوس أهل السنة، فلا تفريق بين أهل السنة الراغبين في الحق وفي الكتاب والسنة أبداً.

وأما إن كان القصد أن يفرق بين الأمة، فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أخبرنا في الحديث الذي يُروى عن كثير من الصحابة عن أبي هريرة، وأنس، ومعاوية {أن هذه الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قيل من هم يا رسول الله ما أنا عليه وأصحابي} وهم أهل أهل السنة.

إذاً الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هم أهل السنة، وكلام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يتخلف {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٢ - ٣]، لا بد أن يقع التفرق, فلو قال قائل: نريد أن نجمع هذه الثلاث والسبعين وندمجها لتكون سبعين؟ نقول: لا تستطيع أبداً؛ لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: على ثلاثٍ وسبعين.

فالتفرق حقيقة قائمة، أي لا يمكن لنا واقعاً أن نجعل الأمة الإسلامية كلها واحدة، كما أننا مأمورون أن ندعو أمم الأرض جميعاً إلى الإسلام، ولكن في الواقع هل نستطيع أن نقضي على اليهود والنصارى والمشركين مع أن ذلك واجب علينا ونحن نسعى إليه، ونحبه، ونبذل جهدنا فيه؟ هذا الواقع لا يكون إلا إذا أنزل الله عيسى عليه السلام، وخلت الأرض من الشرك نهائيا، ً هذا أمر آخر، لكن في واقعنا نحن الآن لا نستطيع ذلك, ومع ذلك ندعو إليه ونحبه.

فكذلك السنة ندعو بأن تكون أمة الإسلام أمة واحدة, ونحرص على إزالة كل سبب يفرق ويباعد بينها, ونبذل جهدنا لئلا تتفرق, لكن الواقع أن الأمة ستظل متفرقة, فهل نقول: نضحي بالعقيدة الصحيحة وبالمنهج الصحيح من أجل أن تجتمع الأمة, وهي لن تجتمع أصلاً، هذا عكس ما أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:١٠٣]، فالتفرق واقع، والمأمور به أن نعتصم بحبل الله, وحبل الله هو: منهجه وطريقه وسبيله، وهو الكتاب والسنة، نعتصم بالكتاب والسنة ولا نتفرق.

فندعو الأمة -جميعاً- أن تتحد على الكتاب والسنة، ومن الخطأ أن نقول: اللهم اجمع كلمة المسلمين فقط, بل نقول: اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق، فما الفائدة على أن يجتمع المسلمون كلهم على أن يكونوا خوارج أو روافض أو صوفية -عياذاً بالله- فعند أهل الحق الاجتماع ليس مطلباً في ذاته, إنما الاجتماع على الحق هذا هو الصحيح.

والواقع أنه لا يجمع المسلمين شيء غير الكتاب والسنة أبداً، لأنك لو دعوت الناس إلى مذهب فلان من الناس، فإنه سيقابلك آخر برأي آخر، فيرى أن مذهب فلان الآخر هو الأفضل، وبهذا لا يمكن أن نجتمع، لكن إذا قلت لهم: الكتاب والسنة فسيوافقني -ولله الحمد- كثير من الناس, فالذي يجمع الأمة الإسلامية الكتاب والسنة, وهذا هو منهج أهل السنة والجماعة ومن شذ عنه فلن يشذ عن إمام أو طائفة أو شيخ طريقة أو فرقة أو أمير دعوة وإنما سيشذ عن الكتاب والسنة.

فقد حكم على نفسه بالشذوذ, وأخرج نفسه من أهل الحق، وسوف يحاسب يوم القيامة على ذلك، لم يخرجه أحد بل هو أخرج نفسه, لكن أي شيء يجمع المسلمين غير ذلك؛ فإنه قد يخرج عنه من هو من أهل التقى والإيمان والحق، وقد يدخل في ذلك الاجتماع من هو من أهل الفجور والضلال والباطل، لأن المعيار وهو اتباع الكتاب والسنة، فلا أحد أحرص في هذه الأمة على المحبة بين المسلمين والألفة والاتفاق من أهل السنة والجماعة.

لكن لا يكون ذلك بالتضحية بالعقيدة الصحيحة والإيمان الصحيح أو بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والموالاة في الله والمعاداة في الله, وذلك لا يكون أبداً, وإلا فسنكون أضعنا هذه الأهداف العظيمة, وعصينا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, وخالفنا أمره؛ لنحقق هدفاً نحن صنعناه، ولن يتحقق في الواقع أبداً.