للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ميزان العاطفة المجردة والعاطفة الإيمانية]

السؤال

أكثر من سؤال تكرر يقول: ما هو الميزان الذي يزن به الشخص عمله؟ هل هو عن عاطفة مجردة أو عن عاطفة وجدانية إيمانية، وجزاك الله خيراً؟

الجواب

هذا الميزان، يا ليته كان موجوداً جاهزاً، فنشتريه، ونضعه في جيب كل شخص، وهذه هي المشكلة الحقيقية، لهذا أنا قلت: هذه وجهة نظر أو مقدمة لِأنْ نبدأ ونبحث عن الميزان، فمن الناحية النظرية -الحمد لله- هو موجود، وكل شخص يقول: كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمل السلف الصالح، لكن هذا الكلام المجمل العام لا يكفي، بل يجب أن نفكر، فنسأل أنفسنا: في أي موقعٍ نحن الآن من الدعوة إلى الله؟ ثم ننظر في الأدلة التفصيلية أو الإجمالية أو القواعد، وكيف يمكن أن نسير؟ وأذكر لشَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه كلاماً جليلاً عظيماً، معناه: أنه ليس العالم أو الفقيه من يقول: هذا حرام، وهذا حلال، وإنما الفقيه أو العالم هو من يعرف أرجح المصلحتين، وأفسد المفسدتين، ثم يفتي بأرجح المصلحتين وبما يدفع أكبر المفسدتين، أي أن تفتي الناس بشيء يحقق لهم أرجح المصلحتين، أو تفتيهم بشيء يدفع أكبر المفسدتين.

أما مجرد أن تقول: هذا حرام، وهذا حلال، فيمكن للإنسان، أو نستطيع مباشرة من خلف الميكرفون أي سؤال يأتي أن نقول: هذا حرام، وهذا حرام، والفيديو حرام، والأغاني حرام، والزنا حرام، يمكن هذا، والحمد لله، ويستطيع الناس -أيضاً- ذلك، لكن نحن الدعاة عموماً نفكر بشيء غير ذلك، أي: عندنا أشياء لا شك أنها حرام -كمثل التبرج والسفور- لكن كيف نتصرف لتغييرها؟ وكيف نعمل لننقل ما نشعر به من إحساس بخطرها وضررها ودمارها إلى من يعملونها؟ هذا هو التحدي، وهنا المحز.

فنحن نحاول أن نجتهد لمعرفة منهج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دعوته وصبره على ذلك، ولا شك أننا إذا قرأنا ذلك، فإنه يعطينا قواعد عامة كما يعطينا أدلة تفصيلية، ونستعين بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في تحقيق ذلك، ثم نستعين بآراء إخواننا، وكلما انفرد الإنسان برأي فإنه ينبغي أن يتوقع أن هذا الرأي قابل للاستشارة، وكلما استشرت فإنه أجدر أن يكون إن شاء الله صواباً، وأن يكون خيراً، ولا سيما في قضايا مألوفة ومعروفة، لست أنا أول من يجتهد في تحقيقها إن كانت معروفاً أو في إزالتها إن كانت منكرات موجودة.

فإذاً ما دامت الدواعي والمقتضيات قائمة فإنني أنظر إلى من يرى نفس الموقف، ويشاركني ويشاطرني نفس الرأي وماذا لديه من وجهة نظر، ثم أجتهد معه.

ولا أكتمكم أن بعض الشباب يستطيع أن يعرف هل هذه عاطفة أو عقل، ويعرف ذلك، وتجاربهم تدل عليه، والدليل على ذلك أن بعضهم يقول: لا يوجد داعي أن أسأل فلاناً، وأستشيره، أنا أعرف رأيه مقدماً، فهذه هي العاطفة، أنت تعرف رأيه مقدماً إذاً لا تستشيره، إذاً تستشير الذي يشير عليك بما تريد، فهذه عاطفة قد تؤدي بك إلى الخطر، وهكذا في أية قضية، وفي أية مسألة، أحياناً العقل يقتضي أن تسأل المعارض لا أن تسأل الموافق، فإن صممت أن تعمل شيئاً فاسأل المعارض، إن كان عنده موانع، قبل أن تعمل، فإن وجدت أنها ليست موانع حقيقية، فإنك تعملها وأنت مطمئن، ولذلك تجد الذي يندفع بهذه الطريقة بعد أن يذهب بعيداً يرجع إلى المخالف، ويقول: يا ليتني فعلت! يا ليتني استشرتك! يا ليتني قبلت! ويكون قد أضاع الفرصة على نفسه.