للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية دور الملتزم في إظهار الصورة الحسنة عن هذا الدين]

السؤال

إن له بعض الأقارب إما أنهم يسكنون عندهم، أو يأتون لزيارتهم بين آنٍ وآخر، فيرتكبون بعض المنكرات أو المحرمات، فلا ندري هل ننهاهم عن ذلك؟ أو إذا حدثت مفسدة فكيف نفعل؟ وآخر يقول عن والده: إنه متشددٌ ومتعصبٌ لمذهب معين، فإذا فعل ابنه أمراً يخالف ما عليه المذهب؛ يعترض عليه الأب، فماذا يفعل معه؟

الجواب

المشاكل كثيرة من هذا النوع، ويجب أن نعلم أن هذا هو الأصل، وأن هذه هي حقيقة الداعية، وأنه لا بد أن نعاني من أمثال هذه الأمور، وإلا لو كان الناس على الصورة الأخرى لما احتجنا إلى دعوة، فلا بد أننا نحتاج إلى الدعوة على أية حال وفي أي زمان ومكان؛ إما للتوجيه فأقول: إن هذا أمر طبيعي، وهنا نأخذ أو نذكر قواعد كلية، أما التفصيلات فكل إنسان بحسب حاله، وكل مسألة بحسبها أيضاً، لكن -في الجملة- الأصل أن الشاب المسلم -إذا استقام- يجب أن يشعر أبوه وأمه وأهله وأقاربه أنه تحول من الشر إلى الخير، وبالذات ونحن نتكلم عن مجتمعنا المسلم -والحمد لله- ولا نتكلم عن إنسان يكون أبوه نصرانياً أو يهودياً ثم يسلم؛ لكن نقول: يجب أن يكون هذا هو الشعور العام في المجتمع، أن الشاب إذا اهتدى فإنه تحول من الشر إلى الخير.

وأما أن يوجد شعور عام -يقل أو يكثر- بأن الشاب إذا اهتدى، فقد تحول من الخير إلى الشر، فهذه مشكلة لا نرضاها أبداً، ودليل على خلل في تمسك هذا الشاب، بمعنى أن الأب عندما كان يحبك وأنت على حالك الأول، وكنت تحبه وتخدمه وتطيعه وتذهب به إلى أي مكان - كالخادم أو كالسائق - وتفعل ما يرضيه؛ فإن استقمت واهتديت وتمسكت، تركته وأهملته؛ لأنه يشاهد كذا، ولأنه يفعل كذا، ولأنه يقول في المتمسكين كذا، فأقول: هذا خطأ، وهذا خلل، لأن الله تبارك وتعالى يقول: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان:١٥] أي: والديك: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:١٥] أي صاحبهما بالمعروف حتى وهما يدعوانك إلى الشرك بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويجاهدانك لكي تشرك بالله، ومع ذلك (صاحبهما في الدنيا معروفاً)، وكذلك إذا شعرت الأم أيضاً أن ابنها لما استقام واهتدى، بدأ ينفر من خالاته وبنات خالاته ومن عماته؛ من أجل موضوع الكشف -مثلاً- فبدأ يتكلم فيهم ويكرههم ويقطع الأرحام، ويفعل كذا، وأصبح شريراً، لكن العكس يجب أن يكون؛ أن يستشعر الجميع: الأم والأب والأهل والمدرس والمجتمع أنه استقام واهتدى، فكان الخير، والدعوة إلى الله خير بلا ريب، حتى وإن خالفها من خالفها، فهم يعلمون أنها خير ولكنهم لا يجرؤون على الكلام، فأكثر ما يتكلمون عنه هو تصرفات الشباب، وقليل منهم الذي يتجرأ فيتكلم في نفس الطاعة، أو في نفس السُّنة، بل إنه يقول: لا، فالدين طيب ويسر، إنما يتكلمون في التصرفات.

ولهذا أقول: يجب أن تكون التصرفات بما يضمن -بإذن الله تعالى- أن نكسب هؤلاء الناس، فإذا لم تستطع أن تكسب أقرباءك للدعوة، فمن تكسب بعد ذلك؟! فاصبر وتحمل، وأكرمهم، وأحسن إليهم , واحترمهم وقدرهم، حتى يشعروا بأنك لمَّا استقمت واهتديت بذلت لهم من الخير أكثر، فبدأت تطيع والديك أكثر، وبدأت تحب إخوانك أكثر، ولكن واجب هذه المحبة وهذا الحرص أن تقول لهم: يا أخي! اتق الله، يا أبي ويا أمي! هذا حرام، يا أخي! إني أخاف عليك عذاب الله، كما ذكرنا في مناظرة الخليل عليه السلام وموعظته لأبيه، وكما كان حال الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم والدعاة إلى الله جميعاً.

وبعد ذلك من كُتِبت له الهداية سيهتدي، ومن لم يهتدِ فسيظل يحبك على الأقل، وذكرنا مثال أبي طالب، وأنه لم يهتدِ، ولم يؤمن، لكنه كان يحب صاحب الدعوة صلوات الله وسلامه عليه.

فالمقصود أنه يجب أن تكون أخلاقنا ومعاملتنا أفضل وأكرم وأحسن منها في حالة استقامتنا من ذي قبل، وأن يكون الحب وجلب الناس وكسبهم إلى الخير هو رائدنا، حتى ونحن نتكلم مع صاحب المعصية، نعم أقول هذا! ولا تعتبروه استطراداً -إن شاء الله- لنفرض أنك مررت -كما نشاهد الآن- بمحل يبيع أفلام موسيقى أو محل فيه أشياء محرمة والله المستعان، فعندما تخاطبه لا تخاطبه بأنك -أنت- مستقيم ومتمسك، حتى ولو لم تقل هذا أحياناً، لكنه شعورك.

فلو بدأت مع أي إنسان تخاطبه: كلنا مقصرين، وقد يمكن أنك أكبر مني سناً أو أصغر مني؛ لكن الحقيقة أنه بدافع المحبة، أحببت أن أقول لك كلمة وإن شاء الله تنفعك ففكر فيها وإذا كان عندك فيها نظرة فأنا مستعد أن أتفاهم معك فيها إلى أن تقول له: إن هذا حرام وكسبه حرام؛ بلطف وبأدب جم، وعندها يرد الرجل: فيك الخير، وجزاك الله خيراً، وأنا كذا.

فالحمد لله! الغالب -إن شاء الله- أن مجتمعنا فيه فطرة، لكنك لو أشعرت الناس أنك أنت مستقيم، وأنهم منحرفون ضالون زائغون، وليس فيهم فائدة وليس فيهم خير؛ فتأكد أن هذا لن يُؤدِّي -أبداً- إلى استجابة ولا إلى ثمرة؛ لكن خذ الناس بالحسنى وباللين، بل حتى لو قلت شيئاً مما لا يستحقونه -أحياناً- من بعض الثناء بقصد أن تجلبهم إلى الخير، فهذا -إن شاء الله- لا حرج فيه، ولا يعد من الكذب إن شاء الله.