للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القوة القادمة]

في هذه الأيام ينشغل الناس -أو ينشغل الأوروبيون- بوحدة أوروبا، وهل ستكون أو لا تكون؟ واتفاقية أمسترخت، وكل منا يسمع هذا الكلام في الإذاعة أو يقرأ في الجرائد: هل تنجح أو لا تنجح؟ ولا يعلم الغيب إلا الله، لكن قبل أن يوقعوها -بغضّ النظر عن بعض الدول التي رفضتها- نستطيع أن نقول: إن أوروبا سوف تتوحد، وذلك للدلائل التاريخية والدلائل النصية! أما الدلائل التاريخية: فإن أوروبا قد توحدت علينا أيام الحروب الصليبية في الحملات الكثيرة التي قامت بها، وكانت تحت راية واحدة، فملك ألمانيا وملك فرنسا وملك بريطانيا ودوق كذا وكذا من الدوقيات، كلهم جاءوا تحت راية واحدة هي: الحرب ضد المسلمين، فلا يُستغرب هذا عليهم مادام العدو هو الإسلام.

وأما الدلائل النصية: فإننا نفهم أن الروم سيحاربوننا في آخر الزمان على أنهم جبهة واحدة، ولا يعني هذا أن الأحاديث تنطبق الآن في هذه اللحظة، لكن نقول: تشير الدلائل على أن الغرب أقرب إلى أن يتوحد دائماً.

فالغربيون عندما يحاولون تقرير هذا، ويدرسون هذا دراسة تطبيقية تجريبية، فيقولون: هل يمكن أن نتوحد؟ ولماذا نتوحد؟ وما هو مستقبل العالم في القرن العشرين إذا توحدت أوروبا؟ وبناءً على هذا، يقولون: من الذي سيكون القوة العظمى في العالم؟ وظهرت ثلاثة احتمالات، وبعضهم يجعلها أربعة: ١ - الاحتمال الأول: أن تظل أمريكا هي القوة العظمى في العالم، وهذا ما يريده الإنجيليون والأصوليون والتدميريون وأمثالهم أن تظل القوة ل أمريكا، وهم يزعمون أنهم سوف يسيطرون على أمريكا، وأنها هي القوة التي تهيئ لمقدم المسيح ونزوله؛ لأن النصارى عندهم اعتقاد أنه سوف ينزل عام (٢٠٠٠م)، وهكذا سوف ينزل المسيح رضينا نحن أم لم نرض، قلنا حقاً أو باطلاً، هذا هو تفكيرهم، فيريدون تجميع الناس.

ومثل ما كانت الحرب الأخيرة هذه فإن هذه التنبؤات ظهرت أنها كذب، ولكن هذا لا يضرهم؛ لأن الشعوب لا عقل لها، ولا أحد من الناس يقول: أنت قلت لي كذا قبل ثلاث سنوات، والآن صار كذا، والمفكرون المثقفون هم قليل، لكن أكثر الناس إذا جاء عام (٢٠٠٠م) ولم يأتِ المسيح، أشغلوهم بقضية ثانية ليسوا القضية الأولى، وهكذا حال الشعوب عموماً.

المقصود -الآن- في هذه المرحلة أنهم يهيئون الناس إلى هذا الكلام، ويقولون بأنه سينزل، فإذاً أمريكا هي القوة المحتملة.

٢ - الاحتمال الثاني: أن أوروبا الموحدة هي القوة المحتملة.

٣ - الاحتمال الثالث: هو أن يكون هناك قوة يابانية أو قوة شرق آسيا، يعني أن تتوحد اليابان وكوريا والصين، وتكون قوة عالمية.

٤ - الاحتمال الرابع: الذي يخططون ضده في الخفاء، وله معاهد متخصصة أن الإسلام هو القوة القادمة، وهذا يصرح به من يصرح ويخفيه من يخفيه، كما قال تعالى: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:١١٨] , والذي ينتج عن هذا عملياً، إذا ترجح لديهم لأنهم دائماً يضعون ثلاثة احتمالات أو أربعة ويضعون على كل احتمال جوابه حتى لا يفاجئوا به: فمثلاً: إذا ترجح أن الإسلام سوف يكون القوة القادمة فإن هذا يترتب عليه القضاء على المسلمين في أوروبا، فمثلاً: المسلمون في البوسنة والهرسك، وهذه دولة مسلمة أغلبية سكانها مسلمون في داخل أوروبا، فلا يصح أن تقوم في أوروبا دولة إسلامية مهما صغرت إذا كانت مستقلة؛ لأنها نواة للخطر القادم داخل أوروبا.

فيريدون القضاء على أية دولة وتفتيت العالم الإسلامي خارج أوروبا فكيف تكون دولة إسلامية داخل القارة؟! فالحرب على الملونين المسلمين، وإلا لو كان نصرانياً فمهما كان لونه أو جنسه لا يهمهم، والحرب على المسلمين الذين يقيمون في أوروبا أو في أمريكا أو يقدمون إليها، ولذلك ظهرت موضات غريبة عند الشباب منها حلق الرءوس أي: الرءوس الملساء فترى شباباً غربيين يحلقون شعورهم حلاقة كاملة، وهم إرهابيون مهمتهم اقتناص الملونين، ففي أي مكان يجدونهم يقتلونهم، هذا موجود في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وكثير من الدول أي: يتعبدون ويتقربون بقتل هؤلاء المسلمين الذين يرونهم في أوروبا، وقد ذكرت في أحد الدروس بعد شرح الطحاوية بعض كلامهم وقولهم: لا نريد المآذن ولا نريد الثياب ولا نريد هؤلاء أن يأتوا بدين غير ديننا وغير ذلك.

فالمقصود أنه في ظل هذا الخيار يظهر لنا لماذا هذا التخاذل وهذا التواطؤ الواضح المكشوف؛ ففي داخل القارة يباد شعب أوروبي في دولة مستقلة اعترفت بها الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، تباد وبهذه الوحشية المتناهية التي ما شهد لها التاريخ -كما يكتبون هم- نظيراً، وفي القرن العشرين، وفي ظل حقوق الإنسان والشرعية الدولية والعدالة التي رأيناها في أحداث الخليج، عدالة عجيبة سريعة تقفز من مكان إلى مكان!! ونجد الخذلان المطلق في هذه القضية، بينما ليس الصرب بأقوى من روسيا ولا بأهم منها، فـ روسيا تدلل جمهوريات البلطيق وتنسحب منها، ويضغط عليها الغرب لتعطيها استقلالها وهي دويلات صغيرة في مواقع غير مهمة على الإطلاق من العالم، ولا أحد يدري عنها ولا أين تقع وليس لها أي أهمية، بخلاف البوسنة التي تقع على البحر الأبيض، وقريبة من إيطاليا، وقريبة من الشرق، وهي في موقع مهم جداً، وهي وما حولها من أجمل بقاع العالم -على الأقل عند الغربيين أن أجمل بقاع العالم هي تلك المناطق- ومع ذلك تدمر.

وهكذا تختلف المعايير؛ لأن هناك حقداً خفيا ًدفيناً، قد يظهرونه وقد لا يظهرونه، لكن الدراسات الاستراتيجية المستقبلية تقول: يجب أن تقضوا على هذا الخطر، وليس رجال الدين فقط هم الذين ينادون بذلك، بل رجال السياسة الذين يستندون إلى هذه الدراسات، والدراسات تستند إلى ما في الكتب المقدسة هم الذين يخططون ويتنبئون بهذا.

إذاً في ظل هذا يمكن أن نقول: إن مستقبل أوروبا يراد له أن تكون أوروبا هي القوة الوحيدة في القرن القادم ويراد لها أن تتطهر عرقياً ودينياً، وتصبح أمة نصرانية متماسكة.