للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحياء من الإيمان]

ولقد أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى المؤمن بالحياء كما في الحديث: {والحياء شعبة من الإيمان} فأين نحن من الإيمان بهذه الشعبة -شعبة الحياء- التي نص عليها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فهل عندنا حياء من الله؟! الإنسان منا يأكل والمزمار يُغني أين هذا من حياة السلف الصالح؟ هذا نافع يُحدِّث عن ابن عمر أنه كان ماشياً فسمع مزماراً فوضع ابن عمر يديه على أذنيه، فقال له نافع: لم فعلت هذا؟ قال له ابن عمر: {مرَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإذا براع وبيده قصبة فوضع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده هكذا} فوضع نافع يده -وهو لا يدري بالحكم وكان صغيراً.

فهذا جيل يبلغ الحياء من الله بالرجل منهم أنه لا يسمع، ويعتزل المعازف حتى المرء الصغير منهم، ونحن نسمع المعازف والأغاني ونحن نأكل نعم الله، وننام في صحة وعافية، فماذا يقول الإنسان في هذه الحالة؟! أيقرأ الأذكار الواردة؟! أيحمد الله، وينام على السرير؟! وفي السجون وغيرها، فهل يقول: الحمد لله؟ وهل يدعو بالأدعية الواردة أو بدلاً من ذلك يسمع الغناء؟ فأين إيمانه وأين حياؤه؟ ينظر الإنسان إلى امرأة لا تحل له في تلفاز أو مجلة أو في الشارع وهي تعمل وتقوم بما تقوم به من حركات، وتقول: هذا مؤمن، فأين الحياء من الله؟ هذا التعري وهذا التبرج يتنافى مع الحياء تمام المنافاة، وهو الذي حرص عليه إبليس منذ أن أخرج أبوينا من الجنة ووسوس إليهما {لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} [الأعراف:٢٠] فهذه هي الخطة الشيطانية القديمة، فإذا نزع الحياء انتهى كل شيء {إن من مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى، إذا لم تستح فاصنع ما شئت}.

وإذا لم يوقفنا إيماننا في هذه الشعبة، فأين حياؤنا من الله عز وجل، إذا وجدنا صاحب منكر ولم ننكر عليه، ونمر بأصحاب المنكرات كأن يكون فاتحاً للمتجر والناس يصلون ولا نقول له: صلِّ، فأين حياؤنا من الله؟ وليكن تغييره بالأسلوب الحسن، فالمهم أن تدخل الإيمان في قلبه، ولا نريد تخويفاً ولا ترهيباً، وإنما نريد أن ندخل الإيمان في قلبه، فهل فعلنا ذلك؟ بل ذهب بنا ضعف الحياء إلى أن نؤيد صاحب المنكر على منكره.

فهذا غاية الجرأة على الله وغاية التجاوز لحدود الله أن نتعاون على الإثم والعدوان ولا نتعاون على البر والتقوى، فلو اختبرنا إيماننا، وتوحيدنا عند شهوة أو فتنة لسقط فيه إلا من رحم الله.

فهذا كتاب الله بين أيدينا، هل فيه آية واحدة علَّق الله فيها دخول الجنة على الإسلام، أو جعل الإسلام شرطاً في دخول الجنة، أو وعد المسلمين أنهم من أهل الجنة؟ لا تجدونه يقول: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [الشعراء:٢٢٧] إيمان وليس مجرد الإسلام، والإيمان درجة أعلى والحياء شعبة منه، فهل نحن فعلاً مؤمنون؟ هل نطمع بجنة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟ وهل طَمَعُنَا ورجاؤنا فيها وهم وخيال، أم هو على شيء؟ فيجب أن نراجع أنفسنا، ويجب أن نحاسبها على كل صغيرة وكبيرة، ونحن قادمون على موسم عظيم وهو موسم الحج، وهذه العبادة كغيرها من العبادات إنما بنيت وركّبت وأسست على التوحيد، وهذا البيت أول من جدده إبراهيم عليه السلام، فإبراهيم إمام الموحدين، فقام هذا البيت على التوحيد.

وكان هذا البيت قبلة المسلمين جميعاً للتوحد، مبدأ واحد، وغاية واحدة، ومقصد واحد إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً} [الحج:٢٦] فأول شيء لا تشرك بي {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} [الحج:٢٦] ثم ابنِ البيت، فبني البيت على أساس التوحيد الخالص لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

فيجب علينا أن نكون في أعمالنا جميعاً منطلقين من منطلق تحقيق التوحيد، وتحقيق متابعة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يتحقق هذا إلا بهذا، فنصلي كما صلّى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحج كما حج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونذكر الله كما ذكره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وندعو إلى الله كما دعا إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي كل أمر من الأمور نتمثل نهج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا تحقيق التوحيد والشطر الأول أشهد أن لا إله إلا الله.

والشطر الثاني من تحقيق التوحيد هو: أشهد أن محمداً رسول الله، فإذا اتخذنا غيره قدوة، فصلينا على غير طريقته ومنهجه، وذكرنا الله على غير طريقته صلى الله عليه وسلم ومنهجه، فما حققنا شهادة أن محمداً رسول الله، وكأننا نشهد أن الشيخ فلان أو علان هو الذي يتبع، وهو الذي يُقتدى به، وهو الأسوة، وإن كنا نقول باللسان: أشهد أن محمداً رسول الله.

فتحقيق التوحيد هو أعظم مطلب، وهو الذي به تنال رحمة الله، وتنال النجاة والفوز في الدنيا والآخرة، ولا يكون هذا الفوز إلا بأن يُعبد الله وحده لا شريك له، وأن يُعبد الله بما شرع، وبما عمله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو القدوة، والأسوة، الذي نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يحيينا ويميتنا على سنته والاهتداء بهديه والاقتداء به، إنه سميع مجيب.