للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اختصار كتب السلف، وهل ابن القيم صوفي]

السؤال

ظهر كتاب تهذيب مدارج السالكين (لابن القيم) لعبد المنعم صالح العلي؛ فما رأيك في: أ- اختصار كتب السلف الذي انتشر مؤخراً.

ب- ذكر المهذب في أحد عناوينه بأن ابن القيم صوفي؟

الجواب

لا نستطيع أن نحكم حكماً عاماً مطلقاً على المختصرات، وإنما هي أنواع، والسلف أيضاً اختصروا الكتب؛ فمن كان على عقيدة صحيحة، وغرضه سليم، واختصر جزءاً من كتاب أو كتاباً كاملاً لإفادة الناس أو لإفادة طبقة معينة يشق عليهم الرجوع إلى الكتاب الكبير؛ فهذا لا حرج فيه -إن شاء الله تعالى- على ألاَّ يمنع ذلك القارئ فيستغني عن الأصل؛ لأن الأصل مهم.

وأما أن يكون المختصر صاحب بدعة وهوى، يشوه كتاباً من كتب السلف، أو طالب شهرة، فبعض الناس مغمور لا يعرفه أحد، لكن يعرف أن ابن تيمية وابن كثير وابن القيم مشهورون، فيربط الاسم المغمور بالاسم المشهور حتى يشتهر، ويختصر -والاختصار سهل غالباً- خاصة على تصور أي كتاب، فينزع ورقة، وينزع الأساليب، ويحذف كذا سطر ويترك الباقي، ثم يعطيه المطبعة؛ فيصدر كتاباً ويصبح شيخاً، فيذهب للمكاتب، ويقول: اشتروا مني خمسين ألف نسخة ووزعوها؛ لأني أصبحت مؤلفاً وعندي علم فهذا ونيته التي أراد.

أما قول المهذب بأن ابن القيم صوفي، فأظن الأجابة مرت عليه فيما سبق، بل ابن القيم -رحمه الله- في هذا الكتاب نبه على كثير من أخطاء الصوفية، لكن لا ننسى قضية معينة وهي أن بعض الناس يقولون: (إن في كتب شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية وابن القيم ميل إلى التصوف أو أحياناً تساهل معهم أو شيء من هذا القبيل) وإن الذي يقرأ كتب شَيْخ الإِسْلامِ وتلميذه شَيْخ الإِسْلامِ ابن القيم قراءة واضحة وجادة ومتعمقة، يجد أنهما عندما يتكلمان عن الفكرة أو عن المبدأ بعيداً عن الأشخاص كأن يتكلم عن وحدة الوجود فلا يتردد أنها كفر، أو يتكلم عن الفناء، يقول كفر، وعندما يتكلم عن كفريات الصوفية يطلق عليها الكفر ولا يتردد، فيقول عن ابن عربي -مثلاً- أو التلمساني أو السهروري بأنهم كفار، لكنه عندما يتكلم عن الجيلاني أو مؤلف (منازل السائرين) الذي شرحه ابن القيم في (مدارج السالكين) تجد أن الكلام يختلف؛ لأنك لم تعش في واقع أو في عصر وهناك شخص يُعبد مثل عبد القادر الجيلاني.

والآن فأكثر المسلمين في الهند وفي أفريقيا يعبدون عبد القادر الجيلاني، وتسمعهم ينشدون ويرددون:

عبد القادر يا جيلاني يا متصرف في الأكوان!

كانوا يرددونها في الحلقات! وإذا كانوا في الطائرة، وحصلت مطبقات جوية يقولون: (يا جيلاني يا جيلاني) تصيح بها الطائرة كلها وهم حجاج!! فهناك عبودية غريبة له.

فأنت في هذا الواقع لو جئت وقلت لهم: هذا فلان كذا فأنت مخطئ؛ لأن عبد القادر الجيلاني لم يكن يدعو إلى عبادة نفسه.

ثانياً: أنك تثيرهم فلا يستفيدون من دعوتك، بل تأتي بكتب الجيلاني التي يقول فيها -مثلاً- لا يكون البعد لله ولي إلا إذا كان على عقيدة أحمد بن جنبل.

تقول: يا جيلانية، هذا الجيلاني يقول هذا الكلام، ما رأيكم؟ ثم تقول لهم: التصوف الذي أنتم عليه تصوف لا يقتضي منكم الشرك، ولا يقتضي منكم دعاء هذا الرجل؛ لأن الرجل يريد أن تكونوا على طريق الله فتعبدوا الله وحده.

كمثل الشيخ أبو بكر الجزائري فإنه من أعداء التصوف؛ لكن له كتيب إلى التصوف يا عباد الله فالرجل لا يريد به أن يدعو إلى التصوف، لكن يضع لهم هذا الاسم لعلهم ينقادون إليه.

على كل حال! نحن لا نقول: هذه وجهة صحيحة أو خاطئة، لكن نقول: أنت عندما تتعامل مع واقع صوفية، لا تصدمهم وتواجهم مواجهة؛ فمن باب الحكمة والدعوة أنك تأخذ معهم المنهج السليم فشَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية وابن القيم وُجدا في وقت كانت الصوفية طاغية حتى على علماء الحديث الذين يذكرون كلام الله ورسوله، وعلماء التفسير، فكان لا بد لهم إذا جاءوا في مواضع العامة أن يأتوا بكلام ظاهره يقبل حتى لا يثيروها، هذا أحد الأسباب عملياً ودعوياً، فأنت تدعوهم، ومن باب دعوتهم إلى العقيدة الصحيحة، لا تبدأ بأن تصدمهم بعقائد معينة تظهر منهم؛ لكن عندما تتحدث عن البدعة المجردة أو عن الدين نفسه أو عن الشرك مجرداً؛ تقول ما تشاء، ولذلك تجد في فتاوى شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية، أمثلة لهذا وهذا؛ لأنه ذهب إلى مصر مطروداً، فإذا وصل إلى هناك، لا يستطيع أن يقول لهم: هذا ضلال وهذا كفر -بهذه المواجهة- وإنما يأتي من باب أوسع وأرحب قليلاً، فلا يعني هذا أنه من التناقض.

فعندما يعالج الإنسان واقعاً معيناً قد يأخذ بنوع من الحكمة ومن التدرج، لا يفطن إليها من يعيش بعيداً عن هذا الواقع.