للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شموخ الإيمان]

قبل خمسين سنة أو ستين سنة تقريباً بريطانيا العظمى -كما تسمى- كانت لا تغيب الشمس عن مملكتها، وكانت أكثر بطشاً وهيبة في قلوب العالم من أمريكا اليوم، وكانت كل أمم العالم ترهبها وتخافها، لكنها كانت تخاف من صنف واحد من الناس، وجاء ذكره في الوثائق البريطانية، وهي الآن منشورة؛ لأنهم بعد كل ثلاثين سنة ينشرونها، وبعضها في أقل من ذلك؛ لأنها ليست ذات أهمية عندهم، وجاء في تلك الوثائق أن أكثر ما كانت تخاف منهم بريطانيا في المنطقة كلها من الإخوان الوهابيين، كما يسميهم الإنجليز، وكان هؤلاء يعيشون في الصحراء، وبعضهم ما يعرف معنى الإنجليز، يسمع هكذا وما يدري، ولا عنده -مثلنا الآن- تفكير واستراتيجيات وخبرات، ولكن كان الإنجليز يخافون منهم خوفاً شديداً.

من الوثائق المنشورة -حتى تعرفوا كيف هُنَّا على الله، وكيف لو كنا مع الله لكان معنا- أن المقيم السياسي الإنجليزي في البحرين -وما كانوا يسمونه سفيراً، كان اسمه الوكيل أو المقيم السياسي- كُلِّف من قبل المندوب السامي في العراق أن يكتب شيئاً عن الإخوان فكتب يقول: 'أنا بنفسي ذهبت إلى سوق البحرين ورأيت الإخوان، طولهم يبلغ ياردتين أو تقريباً -يعني مترين إلا شيء- عرضهم كذا، وجوههم كذا، تعاملهم في السوق من أفضل التعامل، و، و' ويكتب عنهم مثلما يكتب من يذهب في وسط إفريقيا ويرى الغورلا، فيكتب عن شكلها وطولها!! أي أنهم أناس يحسبون لهم ألف حساب! ولما سألوا لورنس: ما رأيك في مسألة الإخوان؟ ماذا رد عليهم لورنس، قال: 'إذا أرادت بريطانيا أن تقضي على الإخوان، فعليها أن تخصص خمسين ألف جندي بريطاني، ولكنهم سيموتون جميعاً تحت شمس الصحراء المحرقة' وهذا موجود في كلام لورنس، وكأنه يقول: لا فائدة من حربهم! وأخطر شيء كانت تخافه بريطانيا أن تقوم حركة الإخوان، بمهاجمة الحدود العراقية! بريطانيا العظمى والأساطيل والقوات تحتل العراق ما هو صدام؟! وتخاف أن يهاجم الإخوان العراق، وهي التي كانت ترتعد خوفاً من الإخوان.

ومشكلة الحدود مع العراق والكويت هي فعلاً مشكلة طويلة جداً.

والمندوب السامي البريطاني هو الذي وضع الخط- وهناك كتاب موجود في الأسواق في كل مكتبة يوجد فيه هذا الكلام- وقال: من هنا تكون حدود الكويت، ومن هنا حدود العراق، ومن هنا حدود السعودية، ثم طالت المشكلة.

وعندما وصلت جيوش الإخوان إلى بحرة، لم تفتح جدة، ثم دخلوا مكة، وتقدموا إلى بحرة ليفتحوا جدة، وجاء وزير الخارجية من العراق، وقد أرسلته بريطانيا ليوقع اتفاقية بحرة، وهم الذين حرصوا على توقيعها، وهي تتضمن عدم الاعتداء على الحدود العراقية، هذا من جهة.

من جهة أخرى كان اليهود -ومعهم الإنجليز أعوانهم- في فلسطين، وكانوا يخشون من جيوش الإخوان أن تهاجم العصابات الصهيونية؛ لأنهم يعرفون أن الجيوش العربية السبعة أو العشرة لن تعمل شيئاً، ولكن هؤلاء يمكن أن يقضوا على اليهود قضاءً مبرماً، وبالفعل عام (١٩٢٤م) وصل الإخوان إلى عَمَّان، ورُعِبَ الإنجليز رعباً شديداً، وقالوا: إذا أخذوا الأردن فسيتقدمون إلى فلسطين، وسيقضون على اليهود.

وهم لم يكن لديهم أكثر من البنادق العادية والخيول، حتى لما قيل لهم -وهذه قصة مشهورة، تناقلها الكبار الذين حضروا تلك المعارك- لا تتقدموا لأن الإنجليز عندهم طائرات تلقي ناراً من السماء -أي قنابل- فقال قادتهم: هل هذه الطائرات فوق الله أم الله فوقها؟! انظروا كيف الإيمان! قالوا: الله فوقها، قالوا: توكلنا على الله، فتأتي الطائرات وتُسْقَط الطائرات بالبنادق العادية، وينهزم جيش الشريف الذي كان يُخْشَى لأن عنده طائرات.

ودخلوا إلى جدة، ثم تقدموا منها حتى أخذوا العقبة، وهذا يعني أنهم كانوا في ضعفٍ فعلاً، لكن كان لديهم قوة الإيمان والعقيدة القوية في الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- والثقة به، فكان العالم يخافهم ويرهبهم، أما نحن فعندنا قوة ليست هي هينة، قوة الطيران ضخمة، وقوة مالية، وكل شيء موجود فإننا نقدر أن نشتريه، لكن أقول: السبب المعاصي والذنوب! ونحن لسنا عسكريين حتى نتكلم في الخطة العسكرية، أو نتكلم في الاستراتيجيات، نحن نتكلم في الشيء الأساس الذي يجب أن يكون عند العسكري وعند المدني وعند كل أحد، وهو الإيمان بالله وقوة التوحيد وقوة التوكل على الله، إن وجدت هذه عندنا فوالله سوف يخاف منا الغرب والشرق معاً.