للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هم الفرقة الناجية]

ومن خصائص أهل السنة والجماعة التي لا يشاركهم فيها غيرهم أنهم موعودون بالنجاة من عذاب الله تبارك وتعالى يوم القيامة، وذلك مبني على أنهم هم الطائفة المهتدية التي ثبتت على الصراط المستقيم في هذه الحياة الدنيا، وأن غيرهم متوعد بالهلاك وبالعقوبة في الآخرة.

وعندما نقول: إن أهل السنة موعودون بالنجاة، وأن غيرهم متوعد بالهلاك، فلا يعني ذلك أن كل فرد من أهل السنة والجماعة هو ممن يدخل الجنة ابتداءً، كما لا يعني ذلك أن كل فرد من غير أهل السنة والجماعة لا يدخل الجنة انتهاءً ولا يدخلها أيضاً ابتداءً، ولكن من حيث الجملة أهل السنة موعودون بالنجاة، ومن حيث الجملة أهل البدع متوعدون بالهلاك، ثم طوائف من أهل البدع ممن خرج عن الملة فهذا حكمه حكم المشركين والمنافقين من أهل النار خالداً فيها مخلداً - نسأل الله السلامة والعافية - ومن كان غير ذلك فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ينصب الموازين يوم القيامة، وتوضع حسناتهم وسيئاتهم في كفتي الميزان؛ فما رجح منها فإن الله تعالى لا يظلم أحداً، فهم يدخلون في أهل الكبائر الذين قد تنالهم شفاعة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابتداءً، وقد تنالهم بعد دخول النار فيخرجون منها.

أما أهل السنة والجماعة فمن كان منهم تام الاهتداء في الدنيا؛ فهو تام النجاة في الآخرة كما قال تبارك وتعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢]، فمن كان منهم تام الاهتداء في الدنيا، تاركاً للظلم الذي هو الشرك -وليس من أهل السنة والجماعة مشرك- وتاركاً للظلم الأصغر الذي هو الذنوب، ومجتنباً للكبائر فهذا يكون ناجياً النجاة الكاملة يوم القيامة.

وأما من كان من أهل السنة والجماعة ولكنه على معصية من المعاصي كالزنا أو السرقة أو شرب الخمر أو ما أشبه ذلك؛ فإنه يدخل في الوعيد الذي توعد الله به من فعل ذلك، ولكنه مع دخوله في الوعيد فإن الشفاعة له أرجى -بلا شك- ممن كان من أهل الكبائر من غيرهم؛ فمن كان من أهل السنة والجماعة فهو أرجى وأقرب إلى رحمة الله تبارك وتعالى من غيرهم، وإن كان للآخر على بدعته فضل أو جهاد أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر فإنه يوزن له في الموازين فأيهما رجح كان له سعادته أو شقاؤه.

كما جاء في الحديث: {افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هم يا رسول الله قال: الجماعة} وفي رواية {من كان على ما أنا عليه وأصحابي}.

فهذا الوعيد لأهل الفرق الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، والذين خالفوا وصية الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى العاشرة في سورة الأنعام بقوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:١٥٣] فالذين خالفوا هذه الأوامر وغيرها فإن الوعيد يشملهم، فهم من الاثنتين والسبعين الذين هم متوعدون بالنار {كلها في النار إلا واحدة} هذه الواحدة هي الجماعة وهي أهل السنة والجماعة، وهي من كان على مثل ما كان عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه.

فبذلك يبين لنا معنى الوعد الذي وعد به أهل السنة والنجاة التي لهم بالجملة، ومعنى الوعيد الذي لغيرهم، والذي هم متوعدون به في الجملة.

وهذا أيضاً ينقلنا إلى قضية المفاضلة بين أهل السنة والجماعة وغيرهم، وهو أن يقال: إن في غير أهل السنة من أهل البدع التي لا تخرج من الملة، لا سيما الشبه العلمية التي قد تخفى على بعض الناس كشبهة القدرية أو شبهة الإرجاء غير الغالي- هؤلاء الناس فيهم من العبادة والزهد والجهاد الشيء الكثير، ولكن نقول: من حيث الجملة: ما من خير ولا حسنة عند غير أهل السنة إلا ولـ أهل السنة من ذلك النصيب الأوفر والكمال في هذه الصفة وفي هذه الخصلة.

وأهل السنة والجماعة منهم المجاهدون، ومنهم القراء، ومنهم العلماء، ومنهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، ومنهم الحافظون لحدود الله، ومنهم كل أهل المناقب والفضل في هذه الأمة، فخيريتهم مطلقة، وأما غيرهم فإن شاركهم في شيء من هذه الخيرية فإن في أهل السنة والجماعة من هو أكثر منه خيرية ويكون له الفضل الأوفر والنصيب الأكبر، وما كان من سيئة عند بعض أفراد أهل السنة والجماعة، أو معاصٍ فإنه يوجد في أهل البدعة مثلها وأكبر منها.