للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بين المحافظة والضياع]

هنا فرق بيننا وبين الكافرين، ولهذا نحن نغلب الكفار بأقل عدد وأقل عدة، إذا كنا مؤمنين بالله {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٣٩] والكفار كما يقال الآن يخدعوننا بهذا القول، يقولون: إن الكفار عندهم جد وعمل ونشاط وكذا وكذا، وهذا صحيح، ولا شك أنهم يعملون لكن هم يعملون ثمان ساعات ويجتهدون لدنيا هم، ولا شك أن تفوقهم في الدنيا مبني على سنة ربانية، لكن هذا الكافر كم يضيع من الطاقة التي وضعها الله تعالى فيه أو المواهب، فكم تأخذ الخمرة إذا سكر؟ وكم يأخذ الحشيش إذا كان من المعربدين المحششين؟ وإذا كان من المدخنين فكم يأخذ الدخان من طاقته الجسدية، وأيضاً من قواه العقلية؟! والزنا وما أدراك ما الزنا -نعوذ بالله- ماذا يفعل الزنا بالطاقة العقلية والقلبية -نسأل الله العفو والعافية- إذًا فهذا مبدد الطاقة.

وفي إحدى الإحصائيات التي تتحدث عن هذه المسألة تقول: إن الفرد عندهم يعمل بربع طاقته فقط، وربما تكون اليابان أكثر عملاً من أمريكا، أي أن الفرد الواحد يعمل بربع طاقته، فالأمة تعمل بربع طاقتها، ولهذا تفوقوا وعملوا ونحن المسلمين لا تبدد الطاقة عندنا في زنا ولا خمر ولا حشيش ولا لهو ولا لعب ولا تدخين، فيكون الذهن أصفى وأنقى وأقوى، فلو أتينا باثنين أحدهما مسلم والآخر كافر ودرسناهم الإثنين في الفيزياء النووية أو في علم الفلك، ونفس المستوى والمعدل الذهني واحد، إلا أن هذا المسلم استيعاب محفوظه -بإذن الله سبحانه وتعالى- أقوى ومن المستحيل أن يتفوق هذا الكافر عليه، ولذلك تجد من الأمثلة المشاهدة الحية الآن الكثير، فتجد -والحمد لله- شباباً يذهب من بلاد العالم الإسلامي يدرس في أمريكا ويدرس في مجالات دقيقة جداً لا يدخلها إلا العباقرة الأفذاذ من أمريكا، وهذا الشاب يشغل وقته في عبادة الله -وهذا مفروغ منه- فلابد أن يصلي ويصوم ويعبد الله، ويقوم بحق زوجته فليس كأولئك، -وأيضاً- ضيافة وزيارة إخوانه في الله، وتراه يقوم بالدعوة إلى الله، ومرتبط بمركز إسلامي في دعوة ويترجم ويتكلم ويدعو، وفي آخر السنة يتفوق على الأمريكي في الدراسة، مع أنا لا نقول: تفوق على السكير العربيد، بل يتفوق على الأمريكي الذي وقته كله مجتهد في العلم لكن أصل الطاقة مبدد، مهما حاول أن يجمعها شتت الله شمله وفرق همه، لأنه لا يرجو الله ولا يرجو الدار الآخرة، وإنما يجمع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الشمل ويجمع الهم لمن أصبح وهمه الآخرة كهؤلاء الشباب والحمد لله.

ولذلك فإن أعدى عدو لهذه الأمة أو من يخدم أعداءها، وهو يشعر أو لا يشعر هو الذي يريد أن تبدد طاقات هذه الأمة، وأن يبدد أغلى ثروة عندها وهي أوقات الشباب تذهب وتضيع في الفراغ، وفراغ عجيب أدركه أولئك الكفار، فقد ذكرت البرازيل أنه يجب أن يوضع حد لموضوع كرة القدم، ونشر هذا في الجرائد الرياضية وغيرها، قالت البرازيل: إن ملايين العمال يتأثر عملهم بسبب المباريات، فيصيب المصنع أو المعمل شلل كلي، أو شلل جزئي فتشغل الأمة بأوقات المباريات، والكرة تتجدد، فما بين الحين إلى الآخر دورة وراء دورة؛ لكي لا يستقر العقل من كثرة ما يدور، فأمة عقلها في ليله ونهاره يجري ويلهث لابد من حل له، بل وجدوا أن ساعات العمل تضيع، وطاقات الأمة تضيع، وهم كفار لا يؤمنون بالآخرة، ويهمهم أن يقضي العامل وقته في إجازة وفي فراغ ولا يكون مجرمًا.

وأكبر هدف الآن في الولايات المتحدة الأمريكية يتحقق في أن أوقات الفراغ لا تكثِّر الجرائم، هذا هدف عظيم أما أن يفعل الناس ما شاءوا فليفعلوا، ولهذا أصبحوا يبنون مجمعات كبيرة جداً للمنتزهات ومجمعات كبيرة فيها جميع أنواع الألاعيب والأهازيل، وأرانا بعض الإخوان إياه قال: هذه من أجل الأطفال في العطلة أو في المساء في غير وقت الدراسة، وفي جميع أوقات الفراغ حتى لا يتعاطى المخدرات، ومع ذلك يدخل الشاب يلعب ثم يعود مخدراً فلا فائدة؛ لأن الإيمان لا يوجد.

فأصبح الوقت طاقة، فأكبر ما يسعون إليه أن لا تأتي بشيء عكسي، أما المؤمن فيعرف قيمة العمر وقيمة الحياة يروى أن بعض السلف الصالح مر بقوم وهم في ملهى أو في مقهى جالسون، فأخذ يتألم! فقيل له: مالك؟ قال: والله آسف، وأتمنى لو أن الأوقات تشترى كما تشترى البضاعة لاشترينا من هؤلاء أوقاتهم، تجده البعض يعود من العمل ثم يذهب يسهر في قهوة إلى قريب الفجر كل يوم، فيضيع عشر ساعات أو ثمان أو خمس كل يوم! أو يسهر على أنواع من اللعب إما لعباً فردياً أو لعباً جماعياً، فيا ليت الأوقات تشترى.

إن من الناس من يبحث عن دقيقة أو ساعة أو يوم لكنها لا تباع! وليس بمقدوره أن يشتري! ومن الناس من يبحث عن قتل الوقت! نحن الأمة التي جعلها الله تعالى أمة حية بهذا القرآن: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام:١٢٢] ويجب أن نحيي الأمم بهذا القرآن، إلا أننا أصبحنا نتكلم عن قتل الوقت، كيف نقتله والعياذ بالله، كأنه نوع من المضادة اللفظية -على الأقل- ولما أمر الله أن تحيا القلوب والأوقات، أصبحوا يسمون ما يلهى به أو يقتل من العمر إحياءً لليلة فيقولون: حفلة أو زواج في هذه الليلة يحييها المطرب الفلاني أعوذ بالله! ووالله إنه ليميتها ويبددها ويشلها ويعطلها، لكن هكذا مفهومنا للحياة، مفهومنا للعمر أصبح يتمشى مع المفاهيم الغربية، فهي ترجمات حرفية للكلمات الغربية، نسأل الله العفو والعافية، وأسأله تعالى أن ينفعنا بما نسمع وبما نقول.