للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحرب العالمية الأولى]

بعد الحملة السابقة جاءت الحركة الأخرى التي كثيراً ما تنسى أو لا تذكر على أنها حملة صليبية، وهي الحرب العالمية الأولى، ونجد أن التمثيلية نفسها تتكرر، قامت الحرب العالمية الأولى عندما اتفق الإنجليز والفرنسيون على تقسيم العالم الإسلامي، وإخضاعه لسيطرتهم، وبدءوا يشيرون العرب ليثوروا معهم على الترك، فأعلن الإنجليز أنه لا بد أن يكون للعرب حكم مستقل.

ومن المكاتبات المشهورة التي كتبها السير هنري مكمهون إلى الشريف حسين يقول: "من السير هنري مكمهون مندوب الدولة البريطانية العلية، إلى الشريف حسين سليل الأسرة الطاهرة العترة الشريفة وكذا ويفيض عليه من المدح وأنك حفيد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكيف يصبح الحكم في أيدي الترك؟! وكيف يكون الأتراك هم الخلفاء والعرب موجودون، والسلالة الشريفة الطاهرة على قيد الحياة ويتولى الأتراك الحكم، والدولة العلية البريطانية تريد الخير والسلام، وعودة الأمور إلى شرعيتها، وتريد أن تنصبكم خليفة على العرب، وزعيماً لهما بشرط أن تقوموا معها، وتثوروا وتخرجوا على الترك، وقد عزمت على إقامة العدل والقضاء على الاستبداد التركي إلى آخر ذلك الكلام.

أما لورنس -المعروف بـ لورنس العرب الخبيث والمشهور- فقد خرج وخرج معه العرب المغفلون المخدوعون لمحاربة الترك والاستبداد التركي، يقول لورنس: 'كنت أشعر بتأنيب الضمير، وأنا أرى هؤلاء الناس يخرجون معي، ويقاتلون بني دينهم -يعني الأتراك- أملاً وطمعاً في أحلام ووعود وعدناهم بها ولم تتحقق' لقد كان الضمير يؤنبه، لأنهم ضحكوا على هؤلاء المساكين، فلا شرعية، ولا استقلال، ولا عدل، ولا حق، وإنما هي أطماع صليبية سُخِّرت لهذا الهدف.

ودخل اللنبي القائد الإنجليزي القدس وجيشه من الإنجليز والعرب -وفتحوا القدس - فلما وقف على جبل الزيتون، غرس رمحه بقوة وقال: 'الآن انتهت الحروب الصليبية'.

وأما الجنرال الفرنسي غورو فإنه تقدم ومعه أيضاً العرب في جيشه إلى دمشق، وقال العرب: لنا حكم بلاد الشام ويكون الشريف هو الخليفة وأبناؤه هم الحكام على هذه المناطق، هذا من عدالة الغربيين، ومن حسن أخلاقهم ومن حرصهم على الشرعية.

لما دخل غورو إلى دمشق قال: دلوني على قبر صلاح الدين، فدلوه عليه فأخذ يركله بقدمه، ويقول: قم يا صلاح الدين ها قد عدنا، وها قد انتصرنا، يا ثارات ريتشارد، يا ثارات بوهمند، يا ثارات فلان وفلان من قادة الحروب الصليبية الذين قتلوا أو أسروا في أيام صلاح الدين، وإذا بها حملة صليبية مكشوفة، وإذا بالعرب يخدعون وإذا بالوعود كلها تذهب هباءً.

المقصود ليس هذا -فكلكم تعرفونه- لكن انبثقت من خلال هذا: الحركة النسائية أيضاً، فلما انتهت الحرب العالمية الأولى عام (١٩١٨م) وإذا بـ سعد زغلول ومن معه وهدى شعراوي، يخرجون في العام التالي (١٩١٩م) يطالبون بالحرية والاستقلال وقالوا: لا بد أن يكون للمرأة دور، رتب سعد زغلول مع هدى شعراوي -وكانت رئيسة اللجنة المركزية لـ حزب الوفد للسيدات- ومن معها المظاهرة، فخرجت مظاهرة ضد الإنجليز، وخرجت المتظاهرات ونزعن الحجاب.

سبحان الله! يتظاهرن ضد العدو وينزعن الحجاب، ما هي القضية؟ وما العلاقة بين نزع الحجاب وبين المطالبة بإخراج المحتل؟! لكنها لعبة مدبرة، مزقن الحجاب وأخذن يطالبن بالحرية والاستقلال!! الحرية مِن مَن من الإنجليز أم من الحجاب الذي مزقنه ونزعنه؟! وجاء الإنجليز بتمثيلية من هنا ومن هناك فأطلقوا الرصاص، وقيل: هؤلاء البطلات الثائرات الرائدات الزعيمات، وإذا بالشعب والصحافة من كل مكان والأحزاب يقولون: المرأة تبذل نفسها من أجل الوطن، فماذا قدم لها الوطن! وإذا بالدعاة -دعاة الإفساد- يقولون: ها هي ذي المرأة تتطوع وتخرج وتقاتل وتواجه المستعمر، فماذا نقدم لها، أتظل حبيسة البيت وقد أثبتت وجودها ووطنيتها.

لقد صور الشاعر حافظ إبراهيم خروج المظاهرة وكيف استقبلها الإنجليز، ثم ردت على أعقابها، وسخر من هؤلاء الهزيلات والضعيفات ذات الجنس الرقيق والناعم، حتى هو رغم هذا الموقف شارك غيره من الشعراء والكُتَّاب في الحملة والدعوة إلى مشاركة المرأة في الدفاع عن البلاد، وعن الاستقلال، ومن ذلك القصيدة المشهورة التي كانت في مناهجنا التعليمية وقرأناها وحفظناها، وهي بعنوان: فتاة اليابان، لقد كان حافظ إبراهيم يمجد فتاة اليابان التي اشتركت وتطوعت في الحرب ضد أعداء اليابان في الحرب العالمية والتي قال فيها:

لا تلم سيفي السيف نبا صح مني العزم والدهر أبى

أنا يا دنية لا أنثني عن مرادي أو أذوق العقبا

هكذا الموساد قد علمنا أن نرى الأوطان أماً وأبا

فيقول: لا بد أن تخرج وأن تتطوع المرأة، وبالفعل تطوعت المرأة وخرجت في الدفاع عن الوطن، ويا سبحان الله! تبذل نفسها وتقابل الرصاص وتتطوع من أجل الوطن، ثم لا تمنح حرية الحياة ونزع الحجاب وأن تكون كالمرأة الغربية تتحضر وتترقى، وتفوز بالبرلمان، وتدخل المجالس النيابية وتعطى الوظائف، فهي تقدم دائماً والرجل ظالم لها لا يعطيها أي شيء، هكذا قيل وهكذا كانت تلك المأساة.