للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصفة الثامنة]

يقول: 'ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: {لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} [الكهف: ٢٦] ' فلا يمكن لأحدٍ أن يدعي ذلك، لأن النفوس حجبت عنه، ولهذا سمي غيباً: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً} [لقمان:٣٤] فأي نفس كائنة من كانت لا تدري ماذا سيحدث لها ولو كان هذا الأمر بعد ساعة أو بعد حين، كما قال الشاعر:

وأعلم ما في اليوم والأمس قبله لكنني عن علم ما في غدٍ عمي

فانظر إلى هذه النقطة العظيمة: أو ليست القوانين قواعد أو أحكام توضع ليسير عليها الناس، فالذي وضعها لا يدري ماذا سيقع؟ وكيف ستكون الأمور؟ فكيف يوكل إليه أن يشرع؟! ولهذا تجد الذين يشرعون ويضعون القوانين من دون الله يضعون من التخبطات والانحرافات والظلم والحيف الشيء الكثير.

ثم يأتي بعد ذلك زمن وإذا بذلك القانون لا يفي بالحاجة ولا يكفي للمطلوب، ثم تكلف لجان أخرى أو مشرعين آخرين أو برلمان آخر بحسب الدول المختلفة، ويبدءون من جديد، ويقولون: هذا لم يعد يصلح الآن، ولم يعد يتناسب مع هذا التوسع، ويضعون قانوناً جديداً، ويبدءون في تطبيقه، ثم سرعان ما ينخرم ذلك ويبلى، وتجد بعض القوانين الوضعية في المادة أو المادتين في القانون تأتيها من التعقيبات ومن الاستثناءات حتى تصبح ملفاً ضخماً، وكل ذلك لأنهم بشر لا يعلمون الغيب، والله تعالى يقول: {لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الكهف:٢٦] فهذا صفات من لا يشرك معه في حكمه، بل هو وحده له الحكم.

ويتكلم الشيخ عن هذه الآية: {لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} [الكهف:٢٦] فيقول: 'فهل في الكفرة المشرعين من يستحق أن يوصف بأن له غيب السماوات والأرض، وأن يبالغ في سمعه وبصره لإحاطة سمعه بكل المسموعات وبصره بكل المبصرات؟ '.

وقوله تعالى: {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} [الكهف:٢٦] أي: وهو رب كل شيء وولي كل شيء، فكيف يكون لغيره أن يشرع وأن يحلل ويحرم، ثم قال في قوله تعالى: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} [الكهف:٢٦]: 'فالإشراك بالله في حكمه كالإشراك به في عبادته' والمقصود بالعبادة هنا الصلاة والصيام وما أشبه ذلك.

ومعنى ذلك أن من اتبع شرعاً غير شرع الله فهو كمن صلى وسجد وصام وحج لغير الله، فالإشراك به في هذا، كالإشراك به في هذا، يوضحه بجلاء قوله تعالى عن أهل الكتاب: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة:٣١] كما صح في تفسيرها، وهو أنهم لم يكونوا يسجدون أو يركعون لهم، ولكنهم اتبعوهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال، ويقول الشيخ أيضاً عند قوله تعالى: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} [الكهف:٢٦]: 'وفي قراءة ابن عامر من السبعة: {وَلا تُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} [الكهف:٢٦] بصيغة النهي، وقال في الإشراك به في عبادته: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:١١٠] فالأمران سواء' والآيتان في سورة واحدة، يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} [الكهف:٢٦] ثم قال: {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:١١٠] '.

فالموضوع واحد، والحكم واحد، والشأن واحد، فلا يشرك بالله لا في تشريعه، ولا في أمره ونهيه، ولا في عبادته والتقرب إليه والتمسك بأمره سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.