للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شمول أحكام الشريعة]

فإن من الأحكام ما يتعلق بالإنسان من حيث هو إنسان، بغض النظر عن كونه متحضرًا أو مبتدياً في بادية، يعيش في غابة أو يعيش في مدينة، متعلمًا كان أو جاهلاً، فبغض النظر عن هذا كله، فإن هنالك أحكاماً تتعلق به من حيث كونه إنسانًا، والإنسان من حيث إنه إنسان له مشاعره وله أخلاقه، وله أسرته التي لا تتبدل ولا تتغير، مهما كان وضعه ومهما كانت حياته، ومهما كان عصره؛ ولهذا نجد في ديننا وفي شريعة نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الأحكام التي تتعلق بهذا الجانب ثابتة راسخة محددة.

فمثلاً: فإن أعظم الواجبات، وأعظم ما دعا إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأنبياء جميعًا هو: توحيد الله تبارك وتعالى؛ فالإنسان أينما كان، في أي عصر وفي أي مصر، في أرقى المدن الصناعية أو في الغابات البدائية أو في الصحراء البدوية أو في أي مكان، هو عبد يجب أن يُوحد الله تبارك وتعالى ويفرده بالعبادة، ولا يخرج عن ذلك قيد أنملة ولا قيد شعرة.

ومن هنا جاءت أمور العقيدة مفصلة مبينة لكل إنسان وفي كل زمان؛ فأنواع الكفر واضحة، والشرك الأصغر، والأكبر، الكبائر والصغائر، وكل ما يتعلق بأمر العقيدة، وكل ما يتعلق بأمور الغيب التي يجب على الإنسان أن يؤمن بها قد جاءت محددة، علمها من علمها، وجهلها من جهلها؛ لأنها تتعلق بك أيها العبد.

فمن حيث أنك إنسان، فأنت بذلك عبد، وكل عبد فإنه لابد أن يعبد الله تبارك وتعالى، وإنه إن خرج عن ذلك؛ فإنه سيعبد غير الله، فالإنسان عبد لا محالة؛ ولكن يجب عليه أن يصرف العبودية لله تبارك وتعالى وحده لا شريك له، وكذلك في التشريعات أيضاً.

نجد أن أحكام الأسرة، أحكام الطلاق، وأحكام العدة، والظهار، والإيلاء، وكل الأحكام -حتى في الإرث- قد فصَّلها الله تبارك وتعالى، فالإنسان أينما كان يحتاج إلى الزواج، ويحتاج إلى الأسرة -في أية بيئة عاش، وفي أي زمان عاش- ومن هنا جاءت هذه الأحكام مفصلة منذ أن يبدأ الإنسان بخطبة المرأة، ثم العشرة بين الزوجين، ثم تربية الزوجة والأبناء على طاعة الله تبارك وتعالى إلى أحكام الميراث، والطلاق، والمظاهرة، والإيلاء.

فكل هذه الأحكام جاءت مفصلة، فلا يخرج عنها عبد؛ لأن هذا الإنسان العبد المخلوق بمقتضى إنسانيته سوف يصير من هذا النوع، فسوف تحصل له هذه الرغبة، ويتزوج ويكون ذا أسرة؛ فيجب أن تكون أموره منضبطة وسائرة وفق ما شرع الله تبارك وتعالى، فهذه الأمور لا مجال فيها لأن يقال: هي في عصر كذا تختلف عنها في عصر كذا؛ لأنها متعلقة بكل عصر وبكل إنسان وبكل زمان ومكان.