للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشرع به يحيا العباد]

إننا إذا خرجنا عن حدود الله عز وجل، ورأينا أن ذلك يحقق لنا مصلحة أو دنيا أيًا كانت؛ فهو الشر وهو الوبال -كما ضرب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك المثل في القوم الذي ركبوا السفينة واستهموا، فكان قوم في أسفلها وقوم في أعلاها، فقال الذين هم في أسفلها: إذا أردنا الماء نصعد إلى الأعلى ثم نستقي، لماذا والماء قريب منا؟ هلاَّ خرقنا من هاهنا وأخذنا الماء! فيرجع الأمر إلى الذين في أعلاها، فإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا، وإن تركوهم هلكوا وهلكوا جميعًا، عافانا الله وإياكم من الهلاك.

فالإنسان كونه يطلب الشيء لا مانع، لكن يطلبه من الطريق المشروعة؛ فلا تقل: أنا أريد أن أمتع ناظري بما أشاء من هذه الوسائل الجديدة.

ولا تقل: أريد أن أمتع سمعي بما أشاء من هذه الوسائل الجديدة.

لا تقل: العصر قد تغير! نعم العصر يتغير، والزمان يمر ويمر؛ ولكن دين الله تبارك وتعالى باقٍ، وأنت عبد؛ عبدٌ إن خلقت قبل قرون أو إن وجدت بعد قرون أو في هذا الزمن، فأنت عبد له تبارك وتعالى، ولا تخرج عن طاعة الله تبارك وتعالى، ولا تخرج عن شرع نبيه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والله تبارك وتعالى إنما جعل هذا الدين وهذا العقل ليميز الإنسان به في حياته، جعل له نبراساً ومنهاجًا، فلو وكل الله تعالى الأمر لعقولنا لما اتفقنا على شيءٍ أبداً.

انظروا إلى العالم الغربي الذي يتخبط! تجدون التخبط العجيب في حياتهم! لأنهم لا يملكون الميزان، ولا يملكون المنهاج الذي يسيرون عليه، وكلما تغير الزمن؛ تنمو العقول فهذه أخلاق العصر الزراعي، وهذه أخلاق العصر الصناعي، فالمرأة في العصر الزراعي تعمل مع الرجل في المزرعة، ويملكها رجل واحد فقط، والمرأة في العصر الصناعي من أخلاقها أنها تخالط الرجال، وتسهر كما تشاء، وتظهر كما تشاء، وتتبرج كما تشاء! لماذا؟! قالوا: العصر تغير! فالأول عصر زراعة، وهذا عصر صناعة؛ فجعلوا الذي يغير الأخلاق ويغير ما تعارف عليه الناس من قديم، بل ما نزلت به الشرائع من عند الله تبارك وتعالى هو: حالة الإنسان الدنيوية، ونحن الآن كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لتتبعن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه}، وفي رواية للإمام مالك رحمه الله قال: {لو أن أحدهم أتى امرأته على قارعة الطريق لفعلتموه} عياذًا بالله.

أي: أن ذلك من شدة اتباعنا لهم؛ وهذا ما يحصل الآن أو ما يراد أن يحصل أن نتبع الغرب وأن نغير ما شرع الله، أو نعرض عما أنزل الله، بحجة أن الزمن قد تغير، وأن العصر قد تبدل.

فلنحرص جميعًا على أن نزن أمورنا وأعمالنا ومعتقداتنا وأحكامنا وآراءنا ومناهجنا وطرائقنا ووسائلنا وغاياتنا؛ نزنها جميعًا بما أنزل الله تبارك وتعالى؛ ففي ذلك الهدى كل الهدى، وهذا هو الاتباع الذي بغيره لا نكون مؤمنين أبداً.

يقول الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥].

فهذا هو الذي يحقق لنا الإيمان والانقياد والإذعان لأمر الله من غير منازعة ولا معارضة ولا مدافعة؛ وإنما هو التسليم والانقياد فورًا، كما كانت الخمر حلالاً، فأنزل الله تبارك وتعالى تحريمها، ثم قال: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:٩١]، قالوا: انتهينا انتهينا! وجرت أزقة تظلل بالخمر من دون رقابة ولا هيئة ولا تفتيش، إلا رقابة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التي في القلوب، وكما كان الرجال والنساء يختلطون، وينظر بعضهم إلى بعض، فلما نزلت آية الحجاب، فإذا بنساء الصحابة يخرجن كأنهن الغربان، لا يرى من الواحدة منهن قيد أنملة؛ حتى أن عمر رضي الله تعالى عنه رأى إحدى أمهات المؤمنين فقال: قد عرفناكِ يا سودة.

يقول: قد عرفناك، أي: ما دمنا عرفناك؛ فإذًا لست متحجبة -مع أنه لم يرَ منها شيئاً- ولكن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقره على ذلك؛ وإنما أخبر أنه إذا استترت المرأة فإنه يجوز لها أن تخرج لحاجتها -كما كانت أم المؤمنين خارجة لقضاء حاجتها- فنجد أنه ما من أمر ينزل من أوامر الله إلا ويلتزم به فورًا، وهذا هو الإيمان حقيقة.