للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كلمة للشيخ يحي اليحيى]

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد: فلم آتكم متحدثاً ولا مذكراً، وإنما أتيتكم زائراً ملبياً لدعوتكم، مشاركاً في هذه السنَّة التي أدين الله أنها سنة حسنة، وما أن سمعت بأن هناك اجتماعاً مضمونه اللقاء بعلم من أعلام الإسلام، حتى وجدت قلبي ونفسي تميل إلى الجلوس كل الميل، فمضيت قُدُماً إلى هذه البلاد وإلى هذه الأراضي المباركة، لعلي أن أكون معيناً على البر والتقوى، والله تعالى يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:٢] وإن هذا الاجتماع قطعاً قطعاً قطعاً تعاون على البر والتقوى.

أيها الفضلاء النبلاء: إن كلماتي التي سأقولها، ولدت في تلك الدقائق السالفة، ولدت لما رأيت هذه الوجوه النيرة الطيبة، التي أبت كل الإباء إلا أن تحضر هذا الاجتماع، وهذا المكان لتشارك أهل الخير في خيرهم، ولقد تشنفت آذاننا وآذانكم وأطربت أرواحنا وأرواحكم، في هذا الاجتماع، ومثل هذا الكلام هو تجديد للإيمان، فلقد تجدد إيماننا، إي والذي نفسي بيده، ففي مثل هذه المجالس يتجدد الإيمان، وأنا على يقين أن الكثير الكثير سيئوب إلى بيته وقد ازداد يقينه وإيمانه وإحسانه بالله تعالى.

ولما رأيت هذا الاجتماع وهذا الجمع الطيب، تذكرت قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لـ حكيم بن حزام، كما روى ذلك البخاري ومسلم من طريق عروة، قال: {أخبرني حكيم بن حزام أنه سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، أرأيت أموراً كنت في الجاهلية أتحنث بها، من صدقة أو عتاقة -أي وعتاقة- أو صلة رحم، أفيها أجر؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أسلمت على ما أسلفت من خير}.

وأنا أقول يا معاشر زهران: لقد أسلمتم على ما أسلفتم من خير، ولقد قدَّمت هذه القبيلة، لا أقول عشرات من رجال الحديث بل ولا أقول مئات، بل بالآلاف، فقد قدمت هذا القبيلة رجالاً لحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولست بصدد بيان الرجال الذين ضحوا بمهجهم وأرواحهم وأنفسهم حتى قدموا لهذه الأمة هذا المعين الصافي من ميراث نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ولقد كان من رجال هذه القبيلة شيوخاً للبخاري ومسلم رحمهم الله تعالى.

إنكم يا معاشر زهران، لا زلتم تتفيئون ظلال تلك الدعوة النبوية الخالدة المستمرة، التي لفظ بها الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أُتي إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقيل: {يا رسول الله! ادعُ على دوس، لأنهم أَبَو، فقال: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللهم اهدِ دوساً، وأتِ بها} خاف أبو هريرة، وخاف الطفيل، أن يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم، لكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا ربه لهذه القبيلة، فلكم نصيب من ذاك الرءوف، الذي سماه الله رءوفاً رحيماً: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨].

فقال: {اللهم اهدِ دوساً وأت بها} فهدى الله دوساً، وأتى بها، ولا زالت دوساً تهتدي سنة بعد سنة، وقرناً بعد قرن، وها أنا أرى جمعاً كبيراً من هذه القبيلة العريقة، في شعاب الزمن، منظر لفت نظري إي والله، ما هو هذا المنظر؟ إنه التمسك بالسنة رجالاً وصغاراً خاصةً وعامةً، إنني أرى الجلّ ممن أعفى لحيته، وأحفى شاربه، وقصر ثوبه، لا تكاد، إنه غريب بينكم ذاك الذي يحلق لحيته، ويطيل ثوبه، فيا لله ما أعظمها من خصلة! إنه يحق لكم أن تعتزوا، ويحق لكم أن تفرحوا وأن تستبشروا وأنتم تحيون سنة قد أميتت.

وأنتم تعيشون هذا الشعور، في زمان يغربل الناس فيه غربلة: لقد أسلمتم على ما أسلفتم فيه من خير، إنكم اليوم تسجلون سنة حسنة، فالله الله، في المزيد في الهداية والسداد، هذا هو الذي أريد أن أقوله في بدئ الأمر.

فأقول أيها الفضلاء، أيها الكرام، أيها الشجعان، وهذا شيء وأمر معروف، ولا خلاف فيه، أقول: هكذا ينبغي الاحتفاء بالعلماء، والاحتفاء برجالات الإسلام، الذين وضعوا أرواحهم على راحتهم، هكذا ينبغي، إن أمة تحتفي بعلمائها، أمة مرحومة، وأمة خيرة مباركة.

وأمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت ولا زالت ترفع من قيمة العلماء، وترفع من قيمة الدعاة، وتضحي بالغالي والنفيس من أجل الذود عنهم، وعن أعراضهم، وتضحي بكلما أوتيت انشروا صفحات التاريخ، اقرءوا الصفحات التي سجلت بالأمس، كيف كان المسلمون يقفون مع علمائهم؟ وبنظرة سريعة إلى عالم الأمس، تجد فعلاً أن الأمة أمة مرحومة مباركة خيرة.

أيها الإخوة: إنني أشعر أني مأمور أمر وجوب لكي أتكلم مثل هذا الكلام، كيف وقد أمرني فضيلة الشيخ سفر بارك الله فيه وفي علمه، إني أراه بالنسبة لي واجب، لأن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:٥٩].

فمن هم أولو الأمر؟ ذهب جمهور المفسرين إلى أن أولي الأمر هم الأمراء والعلماء، الأمراء الذين يطيعون الله، ويطيعون الرسول، والعلماء الذي يخشون الله، وهم ربانيون بما يعلِّمون الناس.

أيها الإخوة: كما أننا نحتفي بالعلماء، فينبغي أن نسعى جاهدين من أجل أن نخرج علماء، ودعاة، وأنتم والحمد لله خرجتم، وهاأنتم تدفعون ضريبة الإسلام، وهاأنتم تزكون إسلامكم، وهذا هو ابن من أبنائكم، وولد من أولادكم، أصبح بُعبعاً في كل أرض ينزل فيها، وكلماته دوّت وسمعها القريب والبعيد، وما بينكم وبينه إلا بضع كيلو مترات، فالجدير أيضاً أن تواصلوا الجهود، والحمد لله، نسمع أن هناك كواكباً من طلبة العلم، هم في هذا الطريق، قد اجتهدوا وجدوا، ولكن نريد الزيادة، فهذه أرض خصبة لا نقنع بواحد أو باثنين أو بثلاثة أو بأربعة أو بخمسة، بل نريد عشرات، بل مئات، فعلى الأولياء أن يجندوا أولادهم للذود عن هذا الدين العظيم، وأن يحيوا ما كان عليه أسلافهم، فعليهم أن يشجعوا أولادهم على طلب العلم الشرعي، بدءاً بحفظ القرآن الكريم، وتثنيةً بحفظ سنة النبي الكريم، وهكذا، وهذا هو المظنون وهو المنتظر في قرية أو إقليم أو في أرض، أو مدينة لها مالها في دين الإسلام.

أيها الأحباب: إني أقول وأنا على يقين إنكم قد سئمتم من كلامي، وإني متطفل في كلمتي هذه، إنكم الآن تنظرون إلى فضيلة الشيخ سفر، وقد اشرأبت أعناقكم إليه للاستماع إلى مزيد من أجوبته النافعة، وأنا معكم، ولا ألومكم، فأترك المجال لكي أستفيد وتستفيدون أنتم من حديثه العطر، أسأل الله تعالى أن يجمعنا في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، أسأل الله ألا يجعل هذه الأقدام التي سارت إلى هذا المكان، تسير خطوة واحدة إلى النار.

أسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأحوالكم، وأن يأخذ بنواصينا ونواصيكم إلى الخير وإلى الصراط المستقيم، وأن يحيينا على الإسلام، وأن يتوفانا على الإسلام، وأن يميتنا على الإسلام، وأن يدخلنا الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

ولا أنسى أن أقول لمن تسبب في هذا الجمع جزاك الله خيراً، وأصلح الله نياتك وذرياتك، اللهم وفقه على الخير، اللهم أصلح له أولاده، اللهم سدد خطاه، اللهم بارك له في ماله، اللهم بارك له في أولاده، اللهم بارك له في حياته، اللهم اغفر له بعد مماته، اللهم اجعله من الأولياء الصالحين، ومن الأولياء المتقين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.