للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الانشغال عن العبادات يقدح في كمالها كما يقدح في أصلها]

السؤال

إذا حضرت الصلاة وشغلت عنها بمشاهدة مباراة في التلفاز, أفلا أكون أشركت بالله في هذا العمل؟

الجواب

ليس شرطاً -حتى لا يفهم الإخوة خطأً- أن الشرك يقتصر على الشرك المخرج من الملة, لكن من قدم شيئاً مما يريده الشيطان, أو يريده الهوى, أو تستلذه النفس وتستطيبه على ما أمر الله تبارك وتعالى به, وما أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم, فلا شك أن هذا المقدم أحب إليه من ذاك, أليس كذلك؟ لأنه لما كان حب المباراة أكبر وأهم من الصلاة قدم هذه المحبة على تلك.

فيا إخوتي الكرام! المحبة واليقين والإخلاص -كما بينا- وغيرها من أعمال القلب قد يعمل العبد ما يقدح في كمالها، وقد يعمل ما يقدح في أصلها, فهنا لا نقول: إن هذا العمل يقدح في أصل الإخلاص فيكون مشركاً خارجاً من الملة.

لكن إذا نظرنا إلى أن الشرك منه الخفي ومنه الأصغر, فهذا نوع منه؛ لأنه أحب هذا الأمر وقدمه على ما أحبه الله تبارك وتعالى, ولأن من عبادة الشيطان أن يطاع في المعصية يقول الله عز وجل: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس:٦٠].

بم تكون عبادة الشيطان؟! بطاعته, وعبادة الهوى: {مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان:٤٣] كيف تكون؟ من اتبع هواه وكان أمره فرطاً, هذا هو المقصود, فإذاً تأليه الهوى وتأليه الشيطان وما أشبه ذلك قد يكون على الحقيقة وعلى أصل الدين كأن يعبد غير الله, وقد يكون في أمر من الفروع فيكون ذلك بالتبعية, كمن يقدم شيئاً من المعصية على مرضاة الله تبارك وتعالى, فهذا لا شك أن عمله يخدش إيمانه, ويخدش يقينه وصدقه ومحبته للطاعة وإخلاصه فيها.

والواجب على الإنسان أن يتوب وأن يتجرد من ذلك كله, فبقدر وجوب الطاعة يكون ذلك, مثلاً هذا الأخ تشاغل عن العبادة عند سماع الأذان، وهذا أخف من أن يفعل ذلك عند سماع الإقامة؛ لأن الإجابة تكون آكد عند سماع الإقامة.

في حالات الجهاد إذا كان فرض عين كما حدث في غزوة تبوك , وهي كما ذكر الله تبارك وتعالى في آيات البراءة أحوال المنافقين فيها, وتخلفهم عنها واشتغالهم عنها أو خوفهم من الخروج, فلما كان الجهاد متعيناً استنفر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة قاطبة, وأمر كل مستطيع بالخروج, بخلاف لو كان الجهاد فرض كفاية وتخلف عنه وقدم محبته فلا يدخل في قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:٢٤] فلا يكون هذا بمثل ذلك الذي يكون الجهاد في حقه فرض عين, فبمقدار وجوب الأمر والطاعة يكون الإثم على من قدم عليها شيئاً من معصية الله تبارك وتعالى, فيكون القدح في كمال يقينه وإخلاصه وصدقه وخشوعه أكثر.