للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاعتراض على إخبار الله عما في الكون]

هناك نوع آخر من أنواع الاعتراض، وهو أيضاً يقدح في الإيمان وفي أصل الدين والإيمان، وهو مناف للرضا أيما منافاة! وهو الاعتراض على أخباره، أو أوامره بما وضعه البشر من أهواء، أو أفكار، أو نظريات قديمة، أو حديثه.

مثلاً: أخبرنا الله تبارك وتعالى أنه خلقنا نحن جميعاً من نفس واحدة، وجعل منها زوجها، والنفس الواحدة هي آدم، وخلق منها زوجها هي حواء، ثم جعل السلالة البشرية بعد ذلك تتناسل من هذين، فكل من تراه على وجه الأرض، أو من عاش فوقها من البشر، فهم من بني آدم، وأبوهم آدم، وبين الله كيفية الخلق ومم هو في أكثر من آية، فهذا أمر قطعي، يقرؤه كل مؤمن ويجده واضحاً في كتاب الله.

ثم يأتي قائل -كما هو مشهور الآن في العالم، ويدرس ويلقن أبناءنا وبناتنا- فيقول: 'لا.

هؤلاء البشر الذين تراهم، على اختلاف أعراقهم، وأجناسهم، وألوانهم، هم منحدرون من سلالة حيوانية' وهذه هي نظرية التطور، وهي تقول: إن الأصل القديم حيوان تطور، فأصبح قرداً، وهناك حلقة مفقودة بين القرد وبين الإنسان ثم جاء الإنسان، فعلى هذا فلا يكون هناك آدم، ولا نفس واحدة، ولا خلق الله تبارك وتعالى العالم كما أخبرنا، وكما جاء في القرآن، وإنما يريدون منا أن نؤمن وأن نعتقد ما يعتقدون، ونحن نقول: إن والإيمان بها كفر يخرج صاحبه من الملة، ومن أقرَّها أو قررها أو درسها فقد اعترض على ما جاء في كتاب الله، وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وهناك مثال آخر: فنحن نعلم أن الله عز وجل خلق كل إنسان منا في هذا الوجود على الفطرة القويمة {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:٣٠]، وكما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {كل مولود يولد على الفطرة} فنؤمن أن كل مولود يولد على الفطرة، التي هي {على الملة}، كما بينتها الرواية الأخرى، فكل مولود يولد في الهند، أو في اليابان، أو في إفريقيا، أو في مكة، أو في غيرها يولد على ملة الإسلام، وعلى الدين القويم، ولكن الفطرة تتغير بالتربية كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه}.

فجاءت النظريات التربوية والنفسية الحديثة -كما يسمونها- تنافي ذلك كله وتقول: إن الإنسان يولد كل بحسب رأيه.

فمثلاً: نظرية فرويد اليهودي الخبيث، تجعل الإنسان كائناً جنسياً، أو أنه ما ولد ليتدين وإنما كل حركة من حركاته فهي بدافع الرغبة، والشهوة الجنسية، وهذا كلام بمنتهى القذارة، ولكنه ليس بغريب من يهودي خبيث يريد أن يهدم أخلاق البشر جميعاً، والأغرب منه أن يأتي أبناء المسلمين، فيقررون هذا الكلام في مناهجهم التعليمية التي يتلقاها الأبناء، دون أن يذكر أن هذا كفر، وضلال.

وتأتي النظريات الأخرى، كالنظريات التربوية الاستراتيجية، والنظريات الرأسمالية، ونظريات كثيرة، كل نظرية تفسر رغبات الإنسان، وميوله، منذ ولادته بما ترى، فمثلاً النظرية السلوكية في أمريكا وحدها تنقسم إلى أكثر من عشرين مدرسة نفسية، كل منها لها نظرية عن هذا المخلوق العجيب، ثم تأتي هذه النظريات وتقرر باسم علم النفس، وباسم علم الاجتماع، وما أشبه ذلك من العلوم ولا ينظر في هذه العلوم إلى ما جاء عن الله وعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

أما في النظريات الكونية فإن الله تبارك وتعالى أخبرنا عن هذا الكون بما يكفينا لمعرفته سبحانه، لا لنعرف تفصيلات هذا الكون، ولنعلم أن له رباً، خالقاً، حكيماً، مدبراً تبارك وتعالى، فإذا جاءوا وأخبرونا بخلاف ذلك، كأن يقولوا: إن السماء فضاء لا نهاية له، والله تبارك وتعالى قد أخبرنا أنها سبعاً طباقاً، والنبي في ليلة الإسراء والمعراج يستأذن هو وجبريل في الأولى، ثم في الثانية، والثالثة إلى السابعة، وأخبرنا من لقي في الأولى، ومن لقي في الثانية، وفي الثالثة إلى السابعة، فكلامهم هذا هراء! ونحن نؤمن بما ذكر الله تبارك وتعالى ونرد ما يخالفه.

فهؤلاء الذين يأتون بنظريات مخالفة لما جاء في كتاب الله تبارك وتعالى، هم من المعترضين على ما جاء عن الله، ومن عند الله.

أيضاً من يأتي بالنظريات عن صفات الإنسان البشرية، فيعارضون بها ما أخبر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عن صفات هذا المخلوق، من أن المرأة دون الرجل في الخلقة، ومن ثَمَّ هي دون الرجل في الواجبات، وفي حمل الأمانة، أو بمعنى آخر: أن الله تبارك وتعالى خلق الذكر والأنثى، وجعل لكل منهما عبادة تتناسب مع ما خلقه وفطره عليها، وتتناسب مع تكوينه الذي كونه الله تبارك وتعالى عليه، وبالتالي جاء هؤلاء وأرادوا أن يجعلوهما في العمل، والواجب، والحقوق والميراث متساويين، وهذا مما يدخل في الاعتراض على الأحكام، فقالوا: ليكن الميراث واحداً، لاكما ذكر الله تبارك وتعالى حيث فرض للذكر مثل حظ الأنثيين، ويريدون أن يجعلوهما واحداً في كل شيء، فللمرأة حق في الانتخابات، وفي الوصول إلى الوزارة، أو أن تكون رئيسة للدولة، أو أن تفعل كل ما يفعله الرجل من الأعمال، وكذلك لها مثل ما له من الحقوق، ومنها هذا الحق في الميراث، فهؤلاء من الذين يعترضون اعتراضاً جلياً واضحاً على ما شرع الله، فكانوا ممن لم يرض بدين الله تبارك وتعالى.