للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحداثة وخطرها على المؤمن]

السؤال

أرجو أن توضح لنا ما معنى الحداثة وما هي خطورتها على الإيمان وعلى المؤمنين؟

الجواب

الوقت يضيق عن توضيح هذه الفكرة أو الحديث عنها، ولكن لنربطها بموضوعنا السابق من جهتين: أولاً: من جهة الغرب الذي نشأت فيه هذه الأفكار: فإنه ما نشأت فيه إلا لأنه لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، فهذه إحدى الصرعات والموضات والموجات الفكرية الوبائية التي اجتاحت الغرب والتي يشكو منها المفكرون الأوروبيون الذين يخافون على بلادهم، فيتخوفون من الحداثة وأشباهها على مجتمعهم؛ لأنها ليست لغة ولا أدب، وهذه معلومة يجب أن يعرفها الجميع، فـ الحداثة اتجاه كامل في الحياة، أي: نظرة كاملة إلى الحياة، وهناك كتاب مطبوع بعنوان: ما الحداثة؟ تأليف رجل فرنسي اسمه جنرلي ليسيفر وملخص ما ذكر فيه: ' إن الحداثة هي إشعال الثورة، أو القيام بالثورة، أو تحقيق الثورة الغائبة هنا؛ وغير المكتملة هناك " ما معنى هذا الكلام؟ هذا الكاتب في باريس يكتب ويقول: " > الحداثة هي تحقيق الثورة الغائبة " هنا أي غائبة في باريس غائبة لماذا؟ لأن باريس ليست شيوعية -كما تعلمون- فـ الحزب الاشتراكي يمتلك نصف المقاعد في فرنسا، والشيوعيون يمتلكون بعض المقاعد، ويريدون أن يسيطروا على فرنسا، فالصورة الغائبة في فرنسا فهي غائبة فيها لعدم تحققها، وغير المكتملة هناك أي (في موسكو) لأنهم يعتبرون أن موسكو التي هي رمز الشيوعية ثورتها ناقصة غير مكتملة، لماذا؟ لأن المرحلة التي كتب عنها ماركس لم تتحقق بعد.

وألخص هذا مما قاله زعيم الحداثة أو مؤسسها في العالم العربي وهو النصيري أبي يوسف يقول: إنها الثورة ضد المجتمع والدين والأسرة والأخلاق، لابد أيضاً من ثورة في الأدب ضد الأدب، وفي المسرح ضد المسرح؛ وثورة في اللغة ضد اللغة، وثورة ضد الدين، المهم ضد كل شيء.

لأن ماركس أصلاً عندما وضع الشيوعية في القرن الماضي يقول: الشيوعية تمر بمراحل: المرحلة الموجودة الآن في العالم هي تطبيق لمرحلة ما قبل النهاية بالنسبة للشيوعية، والمرحلة التي هي ما قبل النهاية هي أن تسيطر البرولتاريا أو الطبقة الكادحة العاملة وتحكم، وهذه مرحلة، وأما مرحلة ما بعد البرولتاريا فهي مرحلة ألا دولة، وألا سلطة على الإطلاق، وهذه المرحلة لم تصل إليها روسيا، ولهذا ليسيفر يقول: 'الثورة الواقعة غير مكتملة في موسكو، لأنها لم تأتِ بعد مرحلة ألا دولة وألا سلطة وهي كذلك، مفقودة في باريس ' فأي مصيبة يريد هؤلاء الناس أن يوصلونا إليها، فإذا كانت باريس لا شيء وموسكو ناقصة؛ فمن أين يأتي هذا الكمال؟ إنه أمر خطير ومع ذلك أقول: ما هي إلا موضة من موضات كثيرة، وما هي إلا أسلوب من أساليب كثيرة لهدم هذا الدين، ولهدم هذه الأمة ولتمزيقها، وتحتاج منا إلى مقاومة وهذه المقاومة موجودة في الشرق والغرب، وأما المجتمعات الإسلامية إذا كانت مجتمعات إسلامية حقة فلن تجد هذه الموضات ولا ما أشبهها موضع قدم فيها، وهل يوجد شاب مؤمن مسلم يقيم صلاته ودينه يمكن أن يتأثر بهذه الأفكار! لا يمكن أبداً.

فالوقاية منها ليست وقاية من هذه المشكلة الخبيثة فقط، بل إن الوقاية من كل مشكلة ومن كل خطر وغزو في أن نربي مجتمعنا على الإيمان الصحيح والعقيدة الصحيحة والكتاب والسنة، وحينئذ نبحث في هذه الأفكار.

أتدرون أن من جماعات الحداثة في باريس وهي أكبر مركز في الحداثة: جمعية الضفادع! وهم شباب متخنفسون يهملون شعورهم ويعيشون في حالة مزرية، وينسبون أنفسهم لجمعية الضفادع!! ويقابلهم جمعية أخرى اسمها جمعية الخنازير كذلك يعيشون في حالة سيئة جداً يتسكعون في الشوارع، ويتعاطون المخدرات، وينامون على الأرصفة، هذه من شيم الحداثة في باريس وأمثالها، وهذه هي الحالة التي وصلوا إليها! فهل يمكن أن يفكر مؤمن أن يكون في هذه الحال يوم من الأيام عياذاً بالله، لا يمكن فإذاً مع خواء الإيمان تقع أمثال هذه الأمور، ومع ضعف العقيدة ومع عدم وضوحها لكن مع وجود العقيدة الصحيحة ومع عرض كل شيء على كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن هذا لا يقع، العامي لا يقبل هذا الكلام مهما كان الأمر؛ لأن النظرة لديه أن كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هما المرجع، لكن الشباب الذين تأثروا بها هم الذين يريدونها إباحية انحلالية، كما قال قائلهم:

أرضنا الجيد غارقة بالظلام طوّق الليل أرجاءها وكساها

بعسجده الهاشمي فدانت لعاداته معبدا

وهذا الكلام له مدلول خطير، وقوله (بعسجده) لعله حرفها أو الناسخ وإلا فهو بمسجده، والعسجد هو الذهب، والهاشمي الذي جعل الجزيرة للعرب مسجداً ودانت له وللناس معبداً هو بلا شك الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فهؤلاء الذين تدرجوا في الفسوق والدعوات الهدامة، من مساواة المرأة بالرجل ثم إلى السفور حتى الأقنعة التي ترتديها النساء هي دخيلة عليها، ويقولون على من تفسخ أخلاقياً: إنه متحرر ومنطلق، فليقل ما شاء، وليفعل ما يحلو له، فيريدون أن تكون محتمعاتهم مجتمعات إباحية مطلقة، لا يريدون سلطة على الإطلاق، لا دين ولا أخلاق ولا رقابة، ورمز هذه الرقابة هي الحدود والقبيلة والأعراف القبلية والعيب والحرام، ورمز هذه الرقابة هم رجال الجوازات ورجال الجمارك، فتدخل الأفلام إلى البلاد من الخارج تحت رقابة رجال الجوازات ورجال الجمارك، وكذلك الكتب الشيعية كذلك فمن الذي يستقبلها؟ إنهم رجال الجوازات ورجال الجمارك، فهم يريدونها إباحية مطلقة، وهذا لن يتحقق أبداً لأن هذه موجة شيطانية ستضمحل بإذن الله، لكن لابد أن نقاومها، فلا نقاومها بالاسم فقط، بل نحاربها ونرد عليها أو نكتب عنها ونقاومها كل المقاومة وبكل فكرة؛ كتربية أنفسنا على كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن خلال وسائل إعلامنا، ومن منابر الخطب والمحاضرات في المساجد، ومن خلال التأليف، ومن كل مكان، فكلنا على ثغرة، ولعل الله أن ينصر هذا الدين بنا، فإذا كنا كذلك فمهما هبت رياح فإنها لن تؤثر بإذن الله على هذه القلعة الحصينة.

وأسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يبقيها كذلك بإذنه تعالى.