للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على قول الصوفية (أن حياة القبور تشابه الحياة المعتادة على الأرض)]

السؤال

في قصة الإسراء والمعراج ورد أن رسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجد بعض الرسل عليهم الصلاة والسلام في السماء؛ وهذا استغله بعض الصوفية أو بعض الفرق المنحرفة في إثبات أن هناك حياة في القبور، وأنها تشابه الحياة المعتادة على الأرض، فكيف يمكن التوفيق والرد؟

الجواب

هؤلاء الذين يعبدون الأموات، ويدعونهم من دون الله شبهاتهم كثيرة، ونحن قبل أن نرد على شبهاتهم نسألهم على أي أساس بنيتم ذلك؟! وهذا كتاب الله بين أيدينا، ففي أي آية منه أجاز الله أن نعبد غيره؟! وأن ندعو غير الله نبياً أو ولياً كائناً من كان؟ وهل في سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصحيحة الثابتة شيء من ذلك؟! لا بل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نزه الأنبياء وبرأهم مما افترت عليهم أمتهم فقال سبحانه: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران:٧٩] سبحان الله! {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:٦٥] {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:٨٨] والأنبياء أنفسهم كانوا يخافون من الشرك {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم:٣٥] فالأنبياء يخافون على أنفسهم من الشرك، ويحاربونه، وما كان أبداً لأحد منهم أن يدعو إلى الشرك، أو يقره، فكيف يأتي هؤلاء ويقولون: ندعوهم ونستغيث بهم ونتوسل بهم إلى الله لأنهم أحياء؟! وإذا كانوا أحياءً! فهل عبدو في الدنيا وهم أحياء حياة حقيقية، وهل أجاز النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأحد أن يعبده وأن يدعوه -عياذاً بالله من ذلك- فلما قالوا: ما شاء الله وشئت، قال: {أجعلتموني لله ندا ً!} فهذا أمر عظيم، فما أقر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما رضي بهذا العطف؛ لأن الندية معناها الشرك ومع ذلك يقولون: ندعوهم؛ لأنهم أحياء في قبورهم.

والإنسان في الدنيا يستطيع أن يكسب مزيداً من الحسنات لنفسه أو أن يحسن للناس إذا كان يملك شيئاً؛ ومع ذلك نفى الله عز وجل أن أحداً من الناس يملك لنفسه شيئاً إلا ما شاء الله، فكيف إذا مات؛ فإنه أحوج ما يكون إلى ربه عز وجل، فكيف يصبح يعطي وينفع ويضر ويدعى ويستغاث به! بلى إذا كان يتخلى أولوا العزم من الرسل عن أمته ويقول كل منهم: (نفسي نفسي)، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده فقط الذي يأذن له ربه بالشفاعة الكبرى، فهؤلاء أولوا العزم لا يملكون للناس شيئاً، ولا يملكون لأنفسهم شيئاً يوم القيامة عند الله، فكيف يملك ذلك البدوي وعبد القادر الجيلاني وغيرهما! مع أنهم ليسوا أولياء في الحقيقة، وليسوا أفضل من الأنبياء -بأي حال من الأحوال- مهما كانت ولايتهم، فهذه شبهات فقط يزينها الشيطان لعباد القبور والأموات حتى لو كانوا أحياء عند الله، والله تبارك وتعالى قد أخبرنا عن الشهداء أنهم أحياء عنده فقال: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} [البقرة:١٥٤] فالشهداء أحياء، والأنبياء حياتهم -بلا شك- أكمل من حياة الشهداء، فهل ندعو الشهداء ونستغيث بهم، أو نستغيث بالأنبياء؟! نحن لا ندري ما حال الشهداء عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأما الأنبياء فإنهم كما أخبر عنهم ربهم تبارك وتعالى قائلاً {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:٩٠] فهم أنفسهم كانوا يرجون رحمة الله ويخشون عذابه، وهم كما قال تعالى: {لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً} [الرعد:١٦] فكيف يملكونه لغيرهم من الناس؛ لا يمكن ذلك أبداً! فهذه الحقائق لمن يريد أن يناقش هذه الأفكار الضالة من صوفية وغيرها، فيعرض هذه الشبهات على هذه الحقائق الناصعة الجلية، نعم: نستطيع أن نرد ردوداً تفصيلية على كل قضية؛ لكن نعرضها على الأصول الجلية الواضحة؛ لتذهب هذه الشبهات، وإلا فلا بد أنه سيأتي بشبهات كما أتى بها المشركون من قبل، قال تعالى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣] وقد كان المشركون يقولون في تطوافهم حول البيت الحرام: (لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك) فهذه هي تلبية المشركين (تملكه وما ملك) وإذا سئلوا: كيف تدعون اللات والعزى، ووداً وسواعاً ويغوث من دون الله؟ قالوا: نحن ما ندعوهم لأنهم يملكون شيئاً من دون الله؟ لكن هم يقربونا إلى الله، فهم شفعاؤنا عند الله، وهذا صريح في القرآن، وإذا سألت أحداً ممن يدعو نبياً أو ولياً، فإنه يقول: أنا لا أعبد غير الله ولا أدعو الولي بأنه إله، وأنا أدري أن الله هو الذي يملك كل شيء إلا أنني أدعو الولي؛ لأنه هو الواسطة بيني وبين الله، فنقول: هذه هي تلبية أهل الجاهلية (تملكه وما ملك) فأهل الجاهلية ما قالوا: إن آلهتهم تملك كل شيء! فهذا هو الشرك، ولكن شياطين الإنس والجن لبسوا عليهم دينهم ليصدوهم عن التوحيد، نسأل الله أن يكف عنا شرهم.