للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطر الباطنية على الصحوة الإسلامية وتعدد الانتماءات]

السؤال: الحديث عن الصحوة -كما يقولون- ذو شجون والصحوة أمرها يهم الجميع، وأسال الله عز وجل أن يكتب لها التوفيق، وأن يجنبها كيد الأعداء ومكرهم، ويمكن أن يكون للسؤال الأول شق آخر، وهو أنه إذا عرفنا خطر الباطنية على الصحوة، وشبابها، فأيضاً هناك جانب آخر للموضوع وهو التفرقة التي تحصل بين شباب الصحوة، فنجد انتماءات مختلفة لجماعات مختلفة، هناك من ينتمي لجماعة تسمي نفسها جماعة التبليغ، وهناك من ينتمي لجماعة تسمي نفسها الإخوان، وهناك من ينتمي لجماعة تسمي نفسها الجماعة السلفية، وإلى غير ذلك من المسميات والاختلافات والتفرقة التي حلت بشباب الصحوة الإسلامية، فهل هذه حالة صحية للصحوة الإسلامية؟ أم أن الموضوع يحتاج إلى نظر ويحتاج إلى وقفة صادقة إذا كان القصد هو وجه الله عز وجل؟

الجواب

الأمة الإسلامية قد عانت من الفرقة وتعاني منها إلى اليوم، والجماعات الإسلامية هي بلا شك أفضل ما في هذه الأمة، على ما في هذه الأمة من أفضل ما فيها هي هذه الجماعات التي تريد أن تعيد الناس إلى الكتاب والسنة، سواء من كان منها على خطأ أومن كان منها على صواب؛ على الأقل فهي ترفع دعوى الإسلام وشعاره في أوقات وفي بيئات وفي مجتمعات تنفر نفوراً كاملاً من رفع هذا الاسم، ولا نقيس المجتمعات مثل هذا المجتمع الذي نعيش فيه، لأنه يوجد مجتمعات لا تريد ذكر الله ولا تريد اسم الله على الإطلاق، والصحوة الإسلامية في جملتها، لاشك أن من أسباب وجودها وجود هذه الجماعات التي قامت ونشرت الدعوة، وكل منها على رأيه واتجاهه، ما كان فيه من خطأ أو انحراف، وما كان فيه أيضاً من صواب ولو في الجملة، فهذه الصحوة هي نتاج عوامل عديدة، منها: وجود هذه الحركات وهذه الجماعات، إذاً فما موقف المسلم منها؟ الموقف من هذه الجماعات ومن الفرق والأفراد والأمم هو نفس الموقف الذي يجب أن يكون لدينا دائماً، بأن نزن كل شيءٍ بميزان كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ميزان العدل، فمن الوصايا العشر التي أوصى الله بها جميع الأمم وأوصانا بها قوله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام:١٥٢] فننظر إليها بميزان العدل، وأيضاً ننظر بمنظار الاستفادة من التجربة أي من جهة العلم نفسه، فنحن الذين نسعى إلى الأكمل والأفضل ونريد أن تتوحد الأمة، ولا نريد أن تتفرق الأمة هذا التفرق وهذا التمزق، بل يجب أن نكون جماعةً واحدة على الكتاب والسنة.

ووجود هذه الجماعات ما هو إلا نتيجة التفسخ الكبير الذي حدث في الأمة بأكملها، وبُعدها عن منهج الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ فكان من الضروري أن يتجمع الناس في تجمعات صغيره، ولا ضير في ذلك لو أنها كانت متمسكةً على الكتاب والسنة، ولو أن كل جماعة قامت كانت متمسكة بالكتاب والسنة، لوجدنا أننا في النهاية نكون جماعة واحدة فعلاً، ولا خلاف على الإطلاق، لكن المشكلة تأتي من التقليد والتبعية والتعصب والتحزب، وهذا ما وقع مع الأسف، بأن الإنسان يقيس الناس بجماعته، فمن كان منها فهو على الحق وما كان ضدها فهو على الباطل، وهذا هو الخطأ الذي تخوفه السائل -جزاه الله خيراً- على الصحوة وله الحق في ذلك؛ فنحن في هذه الحالة قضينا على الغاية من أجل الوسيلة، واسأل أي إنسان ينتمي إلى هذه الجماعات -أي جماعةٍ كانت- لماذا وجدت الجماعة؟ لقال: من أجل تحقيق الإسلام، ولو قيل له: وبماذا تسير هذه الجماعة؟ لقال: على الكتاب والسنة، إذاً خذه على ظاهره ونسلم لك بهذا الظاهر على ما عليه من ملاحظات، ثم ننظر ما أنت عليه في الواقع، فأنت أصبحت توالي وتعادي بناءً على هذه الجماعات، وقلت: إننا لا نحب أن نذكر الأسماء، لا لأننا نخاف أن نذكر اسماً معيناً، لكن لأننا نريد أن ننظر إلى الأمور والأخطاء والانحرافات بنظرة مجردة؛ لنعرف حجمها؛ وإلا قد نقع نحن في الحيف، فأنا مثلاً قد أكره جماعة معينة لسببٍ ما، فأجور وأحيف في كل من يذكرها لدي.

الآن أذكر لكم مثال من بعض الجماعات التي تطبع وتوزع فتوى لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز وهل هناك من لا يحب علم الشيخ عبد العزيز؟! وهل هناك شخص غير حريص على نشر فتاوى الشيخ عبد العزيز؟! لا، إذاً فكم فتاوى للشيخ؟ كثيرة جداً وفي أمور هامة، فتاوى في التوحيد، وفتاوى في أنواع البدع، وفي الشرك، وفتاوى عن الربا، والقمار، والفيديو، وفتاوى في أمور مهمة تنهش مجتمعنا وتفتك به، إذاً أنتم يا دعاة! هل صورتم فتاوى الشيخ هذه ووزعتموها على الناس؟ لا، بل صوروا هم فتوى أو كلام يقول فيه: إن الجماعة الفلانية على الحق، إذاً نحن ندعو إلى من؟! وهذه هي المشكلة، وهذه نصيحة لا نقولها إلا نصحاً، إذاً: نحن الآن لا ندعو إلى الله، بل ندعو إلى الجماعة، بدليل أننا نختار من كلام العلماء ما يؤيد الجماعة، ونختار ممن يعادي الجماعة ولو على سبيل الملاحظة فنعتبره به عدواً للجماعة، فالولاء في الجماعة، والعداء في الجماعة، والدعوة إلى الجماعة إذا فقد أضعنا الغاية من أجل الوسيلة!! لا يا أخي انشروا العلم النافع ووزعوا الفتاوى النافعة، وليس ما يتعلق بك أنت أو بجماعتك فقط، وهذا خيرٌ لك وأفضل لك عند الله؛ أن تنظر إلى من ينصحك؛ وإن نقدك أيضاً فانظر له، لماذا؟! لأنك أنت الذي عليك أمل الأمة، وكما أشرت أن أفضل ما في الأمة هم جماعاتها هذه؛ فالإصرار على الأخطاء قد تردنا إلى انحطاط وضياع وضلال أعظم مما نحن فيه في هذا الواقع، فأنتم أحرص أن تستكملوا أي جانب من جوانب الخلل، ولهذا نقول لكل الشباب، ونحن بإذن الله عز وجل جماعة أهل السنة والجماعة التي لها وبها تجتمع الأمة وعليها تأتلف: يجب أن نكون منصفين، وأن نكون حريصين على من ينتقدنا ويخطئنا، ويجب ألا نظهر أنفسنا، وإذا أثني علينا ومُدحنا لا ننشره أبداً، فماذا نظهر إذاً؟ نظهر دين الله وننشر كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا مدحني فربما يكون في ذلك هلاكي، فلا أغتر وأستمر في البدعة، وأقول: فلان أفتاني أو مدحني، وإذا انتقدني أشكره وأسمع منه، فإن كان على حق فجزاه الله عني ألف خير، وإن كان مخطئاً فأحمله على أحسن المحامل وأشكر له حسن النية، وأقول: تعال، أنت تنقدني وتريد الحق، فيقول: نعم إن شاء الله، إذاً تعال فالحق كذا وكذا، وقد أتى له بأدلة من كتاب الله وسنة رسوله، ولا أقول: أنا رأيي كذا، وشيخنا قال كذا، أو طائفتنا قالت كذا، وفلان قال كذا، وهذا هو علامة أهل البدع، علامتهم أنك تقول: قال الله وقال رسول الله، فيقولون: قال شيخنا وقال إمامنا وهذا هو الذي تعجب منه ابن عباس: وقال: أقول: قال الله، قال رسوله، تقولون: قال أبو بكر وعمر! ومن جهة أخرى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منذ أن نزلت عليه {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر:١ - ٢] إلى أن لقي الله وهو يعيش في حالة دعوة: فجاهده دعوة، وتعليمه دعوة، ونصحه دعوة، وكل حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعوة فهل لم نجد في سيرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يغني ويكفي للدعوة حتى تضع خطة ونرسمها ونلزم الناس بها؟ بل وأدهى من ذلك أن من لم يلتزم بها فإنه متهم في دينه، وأنه يفرق الأمة، وإذا أثنى علينا فهو الحبيب المقرب المبرأ من كل العيوب سبحان الله!! حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلها دعوة، وحياة السلف الصالح كلها دعوة.

ولن يتغير حال الأمة من حالٍ سيئ إلى حالٍ صالح، إلا إذا قام دعاة يدعون لوجه الله، ويعلمون الناس العلم النافع، ويصلحون القلوب من جميع الأمراض ومنها مرض التأفف والاستنكاف عن أن يقال: إنك خالفت الحق أو خالفت الدليل، ومنها مرض الجهل الذي يفتك بهذه الأمة، ولابد من تزكية النفس.

بعض هذه الجماعات يقولون: لم ينتقد علينا إلا أن عندنا جهل، وفينا بعض البدع! - مقللين شأنهما- وهل عارٌ في الدنيا أعظم من هذين، فماذا بعد الجهل والبدعة من عيب؟! إذاً: راجع نفسك يا أخي، فماذا تريد أن يقال إذاً؟ كافر! فإذا كان البعيد فيه جهل وبدع، فماذا تريد أكثر من ذلك؟ وماذا تريد أن يقال عنك حتى لا يكون عيباً؟ فهذا قدر مشترك، فكل جماعة أو فرقةٍ خارجة عن منهج أهل السنة والجماعة لابد وأن يكون لها نصيبها من البدعة والهوى والتعصب.

وإذا أردنا أن تجتمع الأمة؛ فلنجمعها على كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذه الجماعات هي أول من أوجد من يدعو إلى ذلك، لأنها تملك التجربة، وتملك الجهود والطاقات والشباب، فلو أنها التزمت بالكتاب والسنة؛ لكان لذلك النفع العظيم للإسلام المسلمين، ولهذا لا ننظر إليها بنظرة العداء، أو لمجرد العداء ولكن ننظر إليها بنظرة الإشفاق والنصح، ونظرة الهداية بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

ثم أيضاً يجب أن نبين لكم أسماء بعض هذه الجماعات لأن تحت هذه الأسماء أفراداً شتى، فتجد بعض الناس ينتمي إلى جماعة من هذه الجماعات، والفرد في ذاته هو على عقيدة طيبة، لكن خطأه محصوراً، إما في الانتماء أو في أشياء أخرى لا تقدح في عقيدته، وبعبارة أوضح أقول: لا تجعلك تصنف كل من ينتمي إلى هذه الدعوة في صنف واحد، فمثلاً الإخوان، يوجد منهم سلفيون ويوجد غير ذلك، ويوجد منهم ربما من يكفر بعضهم بعضاً، مع الأسف وهكذا حتى الجماعات نفسها تجد أن اسمها جماعة وفي بعضها من يخالف البعض الآخر، فتجدها فرقاً وأحزاباً.

أقول هذا لكي أؤكد على أن المعيار يجب أن يكون هو الكتاب والسنة, وإلا فأي جماعة من هذه الجماعات لو أخذتها في ذاتها معياراً، لقالت لك: إن كلامك هذا لا ينطبق علي، بل ينطبق على أناس مثلاً تسمونهم باسمي، فتضيع في دوامة، لكن أرح نفسك من هذه الدوامة، وانقض الباطل من حيث هو باطل؛ وبين الحق من حيث هو حق بيان الناصح المشفق وبيان الحريص على أن