للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رياضة نور الدين]

هذا الرجل العجيب كان لديه رياضة، ولكن ما نوع الرياضة التي كانت عند نور الدين؟ رياضة للتخدير، أو لتفريق الأمة وتمزيقها، والتشتيت حتى بين الزوجين؟ لا.

إنها رياضة من نوع خاص، ومع ذلك انتقد فيها وأجاب عنها رحمه الله، يقول عنه سبط ابن الجوزي: (لم يلبس نور الدين حريراً ولا ذهباً، ومنع بيع الخمر في بلاده، وكان كثير الصوم، وله أورادٌ في الليل والنهار، ويكثر اللعب بالكرة).

كيف يجتمع هذا الوصف؟! لم يلبس الذهب ولا الحرير، ومنع الخمر بل ومن العجائب أن ابن نور الدين رحمه الله توفي وعمره أقل من عشرين سنة بسبب مرض أصابه يسمى (القولنج)، فأصر عليه الأطباء أن يشرب الخمر، وقالوا: لا علاج لك إلا أن تشرب الخمر، فقال: والله لا أشربها، وأبى أن يشربها ويعصي الله.

فجاءوا له بفقيهين أحدهما شافعي والآخر مالكي، وقالا له: لا بأس أن تشربها -ضرورة- فأقسم أنه لا يعصي الله سبحانه وتعالى، ولا يموت وفي جوفه شيءٌ مما حرم الله، وتوفي رحمه الله.

هذا ابن نور الدين، فكذلك كان أبوه، نقول: مع هذه السيرة كان يكثر اللعب بالكرة، كيف يلعب بالكرة؟ وما نوع هذه الكرة؟ كانت نوعاً من أنواع الرياضة تشبه (الجولف)، عبارة عن كرة ترمى ويستقبلها الناس بصولجان وما أشبه ذلك، كانوا يستخدمون فيها الخيول ويلعبون بها، وكان نور الدين محمود رحمه الله يركب الفرس هو وجيشه ويلعبون هذه الكرة، فلما أنكر عليه وقيل له: كيف تفعل ذلك؟ قال: والله ما أقصد اللعب، وإنما نحن في ثغر، فربما وقع الصوت -ربما نادى المنادي للجهاد- فتكون الخيل قد أدمنت الانعطاف والكر والفر، أي: نكون مستعدين للجهاد، هذا هو اللهو وهذا هو الحق كما ذكر صلى الله عليه وسلم: أن كل لهو يلهو به المسلم باطل إلا ثلاثة ومنها: أن يكون الإنسان ملاعباً فرسه ليجاهد في سبيل الله عز وجل.

حتى إن ابن كثير رحمه الله يثني على قوته، يقول نقلاً عن ابن واصل: (كان من أقوى الناس قلباً وبدناً، لم ير على ظهر فرسٍ أحدٌ أشد منه، كأنما خلق عليه لا يتحرك، وكان من أحسن الناس لعباً بالكرة، يجري الفرس ويخطفها من الهواء ويرميها بيده إلى آخر الميدان، ويمسك الجوكان بكمه تهاوناً بأمره، وكان يقول: طالما تعرضت للشهادة فلم أدركها).

يتأسف! قال الذهبي رحمه الله: (قلت: قد أدركها على فراشه، وعلى ألسنة الناس نور الدين الشهيد)، سبحان الله! اسمه نور الدين الشهيد في التاريخ، مع أنه مات على فراشه، فيقول الذهبي رحمه الله تعالى: (فلعل هذا إن شاء الله فألٌ حسن له)، وقد أدركها على فراشه بماذا؟ بتمنيها وبالسعي إليها؛ لأن (من تمنى الشهادة وهو صادق أعطيها وإن مات على فراشه) كما أخبر صلى الله عليه وسلم، فتمنى الشهادة في سبيل الله فأعطيها.