للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[توجيه للصحفيين بإبراز جوانب الخير]

وأحب أن ألفت النظر إلى إخواننا الصحفيين بالذات ومن يهمهم الأمر أن يتقوا الله تعالى، أنتم في صحفكم تدأبون على أن تتحدثوا وتتفاخروا بما حققته البلاد من إنجازات مادية وتقدم هائل، لا شك أن التقدم هذا كبير وعظيم إذا قيس بما كنا فيه والحمد لله من قبل، نعمة عظيمة من الله، مصانع ومدارس وتطور مادي عظيم، ولكن تتحدثون عن إنجازات الإدارات إلا إدارتين لا أرى الحديث عنها إلا ضعيفاً إن لم يكن نادراً، أما غيرها فالحديث عنها كثير، الإدارة الأولى هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والثانية: رئاسة تعليم البنات.

لابد أن أكون واقعياً لعل الإخوة الصحفيين بالذات يعون هذه الحقيقة، نحن مما يميزنا عن جميع دول العالم -أيها الإخوة- أن لدينا هيئة ورئاسة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورئاسة لتعليم البنات، رجال الهيئة هؤلاء هم الذين يمثلون صمام أمان بإذن الله عز وجل لمجتمعنا على قلة الإمكانيات والجهود، لا يوجد مجتمع فيه مثل هذه الإدارة ولا مثل هذا الجهاز، فبدلاً من أن يكون مفخرةً نفخر بها وبجهودها ونطالب بدعمها وإتاحة الإمكانيات لها، والتعاون معها في القضاء على الرذيلة والجريمة والاختلال والفساد، لا نكاد نذكرها إلا على سبيل الذم والقسوة والعنف، مع أنه لا قسوة ولا عنف، ولم يحصل شيء من هذا، وإن حصل فأشياء قليلة، وما يحصل من قسوة في مؤسسات أخرى بطبيعة البشر والاحتكاك البشري يكون أضعافه ولا يتحدث عنه.

والأخرى رئاسة تعليم البنات -وهذا موضوع الشاهد- الرئاسة التي كان يرأسها سماحة الشيخ العلامة الإمام الداعية المجدد محمد بن إبراهيم رحمة الله عليه، والذي قرر أنه لا يمكن أن يتولاها أبداً إلا من كان عالماً وقاضياً، لكي تبقى حصينةً وأمينة بإذن الله، الحصانة القضائية والحصانة العلمية هي التي تتولى هذا الجهاز المهم، التي هي أعجوبة -ولا نقول معجزة- حققت شبه اكتفاء ذاتي بالتعليم، وأصبحت المرأة السعودية تتعلم وتعلم وأصبحت أنوذجاً فريداً في العالم، حقاً إنه أنموذج فريد في العالم!! لا أقول: ليس هناك أخطاء في المناهج، في المساواة بين الرجال، في كذا، أشياء لا أريد أن أقولها، لكن الذي أريد أن أقوله: أننا نفتخر بما هو دون ذلك أضعافاً مضاعفة، ولا نفتخر بهذا الجهاز الفريد الذي لا يوجد له نظير في العالم، والذي استطاع أن يثبت أننا بلد يستطيع أن يواكب العصر وأن يحافظ على الدين، وأن بإمكان أي أمة صادقة أن تجمع بين عقيدتها ودينها، وبين أن تتنعم بما أنعم الله به من الحضارة ومن الوسائل المادية والرفاهية والتقدم في جميع المجالات، فأين الحديث عن هذه الناحية؟ لماذا نتكلم باستحياء، لماذا نقول: لا، إن شاء الله سوف ينشأ مسرح سعودي، وإن شاء الله المرأة السعودية تشارك في الفن التشكيلي وكذا، ونحن نعلم أنه لا مسرح لدينا، ولا فنانات، ولكن يكون إن شاء الله بالشكل الذي يريدون ولا شيء من هذا، ولو فعلنا لكان خزياً وعاراً لا فخاراً، ونترك المفخرة الحقيقة المتمثلة؛ لأننا في إطار نسائي أو نسوي محدود لا يدخله الرجال أبداً، استطعنا أن نعلم بناتنا والحمد لله، لماذا ننسى هذا؟ أين الذين يدّعون الوطنية ويفاخرون في بلادهم وفي إنجازاتها؟ لماذا لا يذكرون هذه الظاهرة الفريدة؟ لماذا لا تعرض في صورة مشرقة وتنشر على دول العالم العربي والإسلامي والغربي ليقال للناس: لو التزمتم بأحكام الله لأمكن أن تعلموا المرأة وأن تنال كرامتها في إطار لا علاقة له بالاختلاط من قريب ولا بعيد؟! أنا أقول هذا لأنبه إلى أصل القضية، وهو: أن الأمة قد تتوجه إلى الشر وواقعها خير مما يدعو إليه دعاة الشر، وبالعكس: أحياناً قد تتوجه إرادياً وشعارات إلى الخير وواقعها بعيد عن ذلك، وقضية المرأة من أكثر القضايا المليئة بالتناقضات في مجتمعنا، قضية متناقضات ظاهرة تجدها في واقعنا وفي كتاباتنا، وفي ما نردده من شعارات، فنحن ندعي أنها لابد أن تكون وفق الأحكام الإسلامية.

ثم يظهر من يطالب بغير ذلك، ثم نطالب لها بهذه الكرامة، ولها من الكرامة ما لا تحلم به المرأة الغربية، تناقضات عجيبة لابد أن نعيد النظر فيها، وبه أختم هذه المحاضرة لأقول: إنه يجب علينا في كل أمر من الأمور أن نعيد النظر أيها الإخوة الكرام ولنتقي الله سبحانه وتعالى، ولنكون كما أمرنا الله ورسوله، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥] ويقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:٣٦] أبداً، وإنما الاختيار والتحكيم إلى ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من المؤمنين الصادقين، الطائعين المطيعين، ذكوراً وإناثاً، إنه سميع مجيب.