للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الموقف من الذين يطعنون في الصحوة]

السؤال

يلاحظ في هذه الأيام صحوة إسلامية مما يُبشر بالخير -والحمد لله- ولكن بعض الناس الذين نجتمع معهم يحاولون الاستهزاء، ويعلقون على الشباب الملتزمين، ويقولون: كل شيء برحمة الله وليس بأعمالنا ولا دخل لأعمالنا في دخول الجنة، ولكن برحمته، فما هو واجبنا حيال هؤلاء الشباب؟

الجواب

أولاً: الصحوة الإسلامية ليست نشازاً ولا شذوذاً، بل الصحوة الإسلامية هي توبة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أمة كانت ضالة شاردة بعيدة عن أمر الله، ثم اهتدت إلى طريق الله وإلى كتابه وإلى سنة رسوله، فما الشذوذ وما الغرابة من هذه الصحوة؟ والصحوة الإسلامية في بلادنا هذه بالذات، لماذا هي أكبر صحوة، ولماذا شبابها -والحمد لله- أكثر الشباب استقامة؟ لأن الصحوة عواملها عندنا ذاتية والحمد لله؛ فمناهجنا مستقيمة.

انظر إلى التوحيد والفقه والحديث في الابتدائي والمتوسط والثانوي، وهناك ثقافة إسلامية في الجامعة، أيضاً توجد الكليات الشرعية، فهذه المناهج -والحمد لله- سليمة، ونقول: إن هذا الكلام هو بحكم الغالب، ولا نعني أنه ليس فيه ملاحظات، لكن المقصود أنها إذا كانت مناهجنا من كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا نستغرب أن يكون الطلاب على كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ولكن نستغرب من الشاب الذي يقرأ التوحيد والحديث والفقه بجميع مراحله الدراسية، ثم يكون منحرفاً فاسقاً في المقاهي ودور المخدرات، فمن أين جاء الشذوذ؟! جاء الشذوذ ممن شذ عن المنهج الذي درسه، وأيضاً شذ عن تعليم الآباء والأجداد، كل الأباء يدعون الله أن يصلح أبناءهم.

إذاً لماذا عندما صلح ابنك تقول: فيه وفيه، فأنت فيما مضى دعوت الله أن يصلحه، وقد أصلحه الله، فهل يصلحه على ما في خاطرك أنت، أنه يصلي فقط ويعمر الدنيا للدنيا؟ لا يا أخي! أصلحه الله كما يريده الله، وتوجيهاتك ونصائحك ودعاءك له من أسباب صلاحه، فأين الشذوذ في صلاحه واهتدائه؟ لا شذوذ أبداً، وعلماؤنا -والحمد لله- هم الذين يقودون الصحوة الإسلامية ويرشدونها، وترون دائماً أن الناس أحب شيء إليهم لو جاء الشيخ عبد العزيز بن باز وأعظم فرحة تزف إليهم لو قيل: إن الشيخ عبد العزيز بن باز سيأتي يوم كذا ليحاضر في مكان كذا، فيأتي الناس من كل المناطق، لماذا؟ لأن الصحوة الإسلامية يقودها ويوجهها العلماء، فهل علماؤنا فيهم شذوذ، لا شذوذ -والحمد لله- بل هم على الكتاب والسنة.

إذاً من أين يأتي الشذوذ؟ من الذين يتهمون الشباب، ويتهمون الصحوة الإسلامية.

فنحن توحدنا على توحيد الله، وما قامت هذه البلاد ولا تأسست هذه المملكة إلا نتيجة ثمرة من ثمرات التوحيد للإمام المجدد الداعية الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمة الله عليه- فدولة قامت على التوحيد، ودعوة قامت على التوحيد، وبلاد توحدت على التوحيد وعلى كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أين الشذوذ فيها؟! بل الشاذ هو في من يخالف سبيل الصحوة الإسلامية، في من يقلد الغرب أو الشرق، أو يستورد ملاهيهم، وما يبعدنا عن ديننا وعن توحيد ربنا عز وجل، هذا هو الشاذ وإن كثر، وذاك هو الأصل وإن قل.

إذاً لماذا الاستنكار والاستغراب على هذه الصحوة؟ أما قولهم: إنه لا أحد يدخل الجنة بعمله بل برحمته سبحانه؟ فنعم؛ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لن يدخل الجنة أحد بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته} وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:٧٢] وقوله: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٧] ويقول: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:٧٢]، وفي الحديث: {لن يدخل أحد بعمله} والجاهل قد يتصور أن هناك تعارضاً، لكن من يعرف كلام الله ولغة العرب فلا تعارض لديه، فقوله: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:٧٢] الباء هنا سببية، فبسبب العمل الصالح تدخل الجنة أو قد تدخل النار -عافنا الله وإياكم من النار- وبسبب العمل الصالح وبتوحيدهم وبإيمانهم، أي: بسبب إيمانهم وبتوحيدهم أدخلوا الجنة، وما يقوله بعض الناس حق إن كانت الباء هنا للعوض، أي: لا يدخل الجنة أحد بعمله، أي: عوضاً عن عمله وهذا صحيح، فلن يدخل أحد الجنة عوضاً عن عمله، لأن ما أنعم الله به علينا من النعم لا يوازي ما نعبد الله تعالى به من العبادة، ولا يوازي نعمة بسيطة من الله، فهو الذي أعطانا العلم، وأعطانا الهداية، وأعطانا الجسم، وأعطانا القوة، وأعطانا الغذاء والعافية، فنعبده بأمر بسيط مما أعطانا، ونريد عوضاً عن ذلك الجنة، لا يا أخي! هو الذي أعطاك أصلاً، وهو الذي هداك، فإذا قلنا: إن الباء للعوض لا، لا أحد يدخل الجنة بعمله، أي: عوضاً عن عمله، ولكن رحمة من الله أنه جعل العمل سبباً لدخول الجنة.

إذاً هناك فرق بين هذه الباء وتلك الباء، والعوام لا يفهمون الفرق بين باء العوض وباء السببية، لكن نحاول نحن أن نفهمهم ونوضحها لهم بطريقتنا إن شاء الله، وكل واحد منا يعلمها لهم بأسلوبه الذي يمكن أن يفهموا به المقصود.