للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التفريط في صلاة الجماعة]

السؤال

بعض الناس يصلون -ولله الحمد- وعندهم نزعة طيبة، لكن لا يهتمون بالصلاة، وينصحون بهذا، لكن لا يكترثون في هذا، مع العلم أنهم يصلون، لكن نود منكم بارك الله فيكم أن توجهوا أولئك، والسامع يبلغ الغائب؟

الجواب

الحقيقة أن صلاة الجماعة من أعظم شعائر الإسلام التي إذا تركناها تركنا سنة نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قال ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، ولم يعهد ولم يعرف في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحد ترك صلاة الجماعة إلا المنافقين كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله: [[ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق]] ولهذا جاء في الحديث الشريف الوعيد الشديد، كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لولا ما في البيوت من الذرية لهممت بأن آمر بالصلاة فتقام، وآمر رجلاً فيؤم الناس، فأخالف إلى أقوام فأحرق عليهم بيوتهم}.

وهل تظنون أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحرق البيت ويحرق من فيه، ويستحق من فيه الحرق، وإتلاف أو تعريض منزله للإتلاف على أمر هين؟ لا، وليس هو إلا على أمر عظيم، ويظن بعض الناس -مع الأسف الشديد- أن العلماء كما يقولون: إن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبعة وعشرين درجة، يظن أن العلماء كلامهم متعلق بالتفضيل، فإذا كان لا يريد إلا درجة فإنه يصلي الفرض في البيت، وهذا غير صحيح، ولا بد أن نعلم أن العلماء -رحمهم الله- اختلفوا هل تصح الصلاة في البيت؟ أي: هل تصح الصلاة في البيت مع إمكان أن تصلى جماعة أو لا تصح، لماذا؟ لأنه لم يرد ولم يثبت في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبداً أن مؤمناً غير معذور صلى في بيته، بل لا يصلي غير معذور في بيته إلا المنافق الذي حبط عمله -والعياذ بالله- فبعض العلماء يرى أنها لا تصح، وأن الجماعة شرط في صحتها، والبعض يرى أن الجماعة سنة مؤكدة، وأنها ليست شرطاً في صحة الصلاة، إذاً الأمر عظيم.

ونجيب على القول الآخر الذي يقول: إنها سنة مؤكدة بأنه هل أحد من الناس في دنيانا الحقيرة التافهة يرضى أن يعمل عند شخص بريال، وهو يستطيع أن يعمل عند جاره بسبعة وعشرين ريالاً؟ ولو كانت ستة وعشرين، ولو كانت خمسة وعشرين، أو أربعة وعشرين، فإنه يقول: أنا مظلوم، وإذا قال له صاحب المحل: علاوتك ناقصة عشرة ريال، فإنه يقول: لماذا وأنا أستحقها؟ وكيف تنقص علي حتى ريالاً أو ريالين؟ فنجعل هذا ميزاناً للتفاضل، فلماذا في دنيانا نضبط المعايير والمقاييس والموازين ونتفحص؟ وكما يقول بعض الإخوة: إنك لا تعطي صاحب دكان خسمائة ريال إلا ويضعها على السراج ويفركها، ويتأكد منها قبل أن يصرفها لك، فهو يتأكد من الدنيا، ولا يقبل الغش فيها، لكن ديننا أعظم وأهم، فكيف لا نهتم بالغش الذي في قلوبنا.

فعلينا أن ننصح هذه القلوب لله ولطاعة الله ولعبادته، ولا بد أن تنصح للمسلمين فتحبهم وتحب لهم الخير كائناً من كانوا، وتنصح لنفسك أولاً بأن تنجوا من عذاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وتكون نفسك صادقة في إيمانها ناصحة فيه.

فأذكر نفسي وإخواني جميعاً بأهمية هذه الشعيرة العظمى، وتعلمون أن الاجتماع أمر عظيم من أمور هذا الدين، وتعلمون أن صلاة الجمعة يجب أن تقام في جميع بلاد المسلمين، في مسجد واحد من مدينة المسلمين، وكان هذا هو الحال مهما كبرت المدينة إلى قرب نهاية القرن الثالث، وبغداد على كبرها وقد كانت أكبر مدن العالم وفيها ملايين السكان، ومع ذلك تقام جمعة واحدة، ومكة جمعة واحدة، والقاهرة جمعة واحدة، وهذا هو الأصل أن يكون لأهل البلد جمعة واحدة لا جمعتين؛ لأن ديننا يقوم على الاجتماع وعلى تكثير المسلمين، وعلى إرهاب عدوهم وعلى إغاظته والفاجر والمنافق إذا رأى الأمة كلها ملئت هذا البر كله وكلهم يصلون الجمعة، وهو متخلف فإنه يأتيه الوازع من نفسه وقد يدفعه ذلك إلأى أن يهتدي -بإذن الله- فالاجتماع وتكثير المسلمين في أمور الخير وفي شعائر الله يجب أن نحرص عليه في أنفسنا، وأن ندعو أيضاً المسلمين إليه.