للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[أسلوب الدعوة]

السؤال

نحن شباب ملتزم، ونريد أن ننصح بعض الإخوان لدينا في السكن، فما هو الأسلوب الذي ننتهجه؟ وهناك في السكن من لا يصلي، فكيف نتعامل مع مثل هؤلاء الشباب حتى يَصِلُوا إلى طريق الهداية والنور والفلاح؟

الجواب

الحمد لله على وجود هذا الشعور الدعوي، وهكذا يجب أن يكون كل متبع للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:١٠٨]، فمن كانوا من أتباعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا بد أن يدعوا إلى الله، ولا سيما الإخوة في السكن، وتعلمون أن الدين النصيحة، وأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يبايعون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على النصح لكل مسلم، فمن يرضى أن يكون أحد من إخوانه المسلمين من أهل النار؟! بعض السلف الصالح رضوان الله عليهم وصلت به الحساسية إلى حد أن يقول: 'وددت أن جسمي قد قرض بالمقاريض، وأن أحداً لم يعص الله عز وجل'.

فهؤلاء الذين تأخذهم الغيرة على محارم الله، والغيرة أن يُعصى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو الذي خلق هذا الإنسان الضعيف، العاجز، المسكين، هذا الذي لو دخلت في رجله شوكة لصرخ، ولدعا الله، ولاستغاث بالله، هذا المسكين لا يؤدي حق الله، ولا يصلي وهو طالب علم، وفي جامعة أم القرى، فتلك مصيبة عظمى! فينبغي أن تشفق عليه أكثر، ويجب ألاَّ تدَّخر وسعاً في إيصال الحق إليه، بالصبر الطويل، والصبر الجميل، والصفح الجميل، بأي أسلوب حتى لو وصل الأمر إلى القوة، فإن القوة من الحكمة، ولا ينكر ذلك إلا جاهل بسنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل:١٢٥]، فالقوة من الحكمة، والحزم، والزجر كله من الحكمة.

المهم أن يكون في موضعه؛ لأن الحكمة: هي وضع الشيء في موضعه، فكل ما كان في موضعه فهو حكمة، وإن كان قوة، أو حزماً، وردعاً، وإن كان تأديباً، أعني من المسئولين القائمين على الإسكان أو الكلية، أو ما أشبه ذلك، لكن لا نبدأ بذلك، وهذا شيء آخر.

والمقصود أن نستفرغ طاقتنا وجهدنا في نصيحة هؤلاء الإخوة، وفي تذكيرهم بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وفي بيان أننا لا نريد لهم إلا الخير، ولا نريد منهم شيئاً، كما أمر الله رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} [الأنعام:٩٠]، وكما يقول عن نوح: {وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً} [هود:٢٩]، {ومَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ:٤٧].

سبحان الله! لأنه إذا علم أنك لا تريد له إلا الخير، وبالأسلوب الحسن، ولا تريد منه أي مطمع، فإنه حينئذٍ إما أن يستجيب، وإما ألا يكون لديه عذر، بخلاف ما لو رأى فيك رغبة في التشفي، أو شدة، أو غلظة، أو عنفاً، أو تكون النصحية كأنها نوع من حظ النفس والاستعلاء والتسلط عليه، فإن هذا يكون حائلاً بينه وبين الحق.

فيجب أن نبذل جهداً، وأن نأخذهم بأرق الأساليب أولاً، ثم نُنوع تارةً موعظةً، وتارةً تخويفاً بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وتارةً ترغيباً فيما عند الله، وتارةً بزيارة، وتارةً بهدية، وتارة بحديث طيب وهكذا.

وهذه أمور تعامل واحتكاك مستمر، فكلما كنت أكثر مقدرة على الصبر، وعلى تنويع الأسلوب، واستيعاب تنوع النفوس وأحوال المدعوين المخاطبين، كنت أكثر نجاحاً في الدعوة، على أن الإنسان قد يضيق صدره كما أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ضاق صدره، وعلى أن الإنسان قد يألم، ولا بد أن يألم الداعية، وقد يتعرض لما لا يطيق، ولكن نرجو إذا اجتهدنا وصبرنا أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لن يضيع جهودنا، ولن يخيب آمالنا.