للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دراسة التربية الفنية]

السؤال

أنا طالب في الجامعة، وتخصصي التربية الفنية، وهذه هي السنة الثانية لي، وقد نصحني بعض الأصدقاء بالتحويل إلى كلية الشريعة، وأنا متأكد من حبهم لي وجزاهم الله خيراً، ولي رغبة أنا أيضاً في الشريعة، فما رأي فضيلتكم، وأنا أحب أن أدعو إلى الله، فهل يمكنني أن أدعو عن طريق التربية الفنية؟

الجواب

ننظر إلى هذا الأمر من جانبين: الجانب الأول: هذه القضية في عمومها.

والجانب الآخر: هذا الأخ في ذاته بخصوصه.

أما مسألة وجود التربية الفنية، فنقول: لو استطعنا ألَّا يكون في مدارسنا تربية فنية أصلاً، أو في المجالات العامة على الأقل، لكان ذلك خيراً، ونحن الآن لا نستطيع أن نلغي قسم التربية الفنية من الجامعة عملياً.

إذاً: يجب أن نخفف ما أمكن، ويجب علينا أن نجتهد لإصلاح المناهج بهذا القسم، ويجب علينا أن نلتزم في هذا القسم، وفي هذه المادة، بألا نخرج عن المباح، وفي المباح سعة والحمد لله، وقد يكون مجالاً للدعوة لو استغل، لأن أي مجال هو في أصله حلال، وليست الحرمة فيه من أصله، يمكن أن يستغل في الدعوة إلى الله، كالكيمياء أو الفيزياء أو أي مجال حتى التجارة.

أي شيء ما لم يكن من أصله حراماً يمكن أن يُستغل ويستفاد منه في الدعوة إلى الله، فيمكن وببساطة أن توضع مناهج في قسم التربية الفنية لا منكر فيها، ويمكن إن كان ولا بد من تقرير مادة التربية الفنية أن تقرر بما لا منكر فيه، فالتربية الفنية منها الخط، ومنها ما لا روح فيه، ومنها الحديث عن المشاعر الإنسانية تجاه هذه الأمور.

إذا كان الحديث عنها بما يتفق مع ما في كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كالاتعاظ بما يشاهده الإنسان في الكون من آيات الله، وأمثال ذلك، فهذه أمور قد تكون مجالاً خيِّراً للدعوة.

لكن أن تصوَّر ذوات الأرواح، وخاصة إذا كانت باليد والنحت والتماثيل فهذا لا يجوز، وهذا منكر، فإذا كنت في هذا القسم لا تستطيع أن تتخلص من هذا المنكر، فحينئذٍ يجب عليك أن تتركه، وإذا كنت تستطيع أن تتجنبه أو أن تكون مجاهداً لتجنبه، ولمن بعدك أن يتجنبه، فأقول: نكون جميعاً يداًً واحدة من أجل إنكار هذا المنكر، ثم بعد التخرج إن كانت الوزارة لا يلزم منهجها بمحرم، فالحمد لله هذه نعمة، واجتهد وادع إلى الله، وإن كانت فيها ما يرتكب به الحرام فلنتعاون على أن نزيله، فإن عجزنا ولم يبق إلا أن نفعل المحرم فلا نفعله، فلا يجوز من أول الأمر أن نترك هذه الجوانب لغيرنا، من الفجار والفساق، يرسمون المناظر الخليعة، ويَعلمون الشباب ويفسدون عقولهم، يأتي أستاذ الفنية بعد أستاذ التوحيد -مثلاً- فينسخ ما قاله أستاذ التوحيد أو التفسير بصورة خليعة أو بمنظر قبيح أو بكلمة خبيثة.

ويجب أن نتفطن إلى أمر آخر عظيم أكبر من مسألة التصوير، وهو أن المذاهب الفنية الآن عقائد إلحادية، وهي جزء مما يُسمى الحداثة، والحداثة كلمة جديدة لكن هي معنى كلمة: اللامعقول، أو الضياع، فإتجاهات الضياع والفلسفات الضائعة في العالم، منذ أكثر من مائة سنة في أوروبا، وصلتنا هنا -مع الأسف- فتجد الإنسان يرسم لك لوحة ويقول: أنا سريالي، والآخر يقول: أن واقعي، وهذا انطباعي، سبحان الله وأنت لا تدري ما القصة؟ نحن درسنا -مثلاً- في الابتدائي التربية الفنية، كنا نرسم منظراً، أو نرسم شجرة أو جبلاً مثل الجبل الذي خلقه الله، ونأخذ درجة وننجح.

لكن الآن يأتي الإنسان بألوان عجيبة وخطوط متعرجة، ثم يقول لك: هذا حلم! ولا أفهم كيف رسمه حلماً، لكنه يقول لك: ذلك وإذا كنت سريالي، ومعنى السريالية ما فوق الواقعية، يقول لك: ليس الفن محاكاة الطبيعة، فحاكي الطبيعة يرسم مثل الطبيعة، لكن ارسم حلماً! ارسم الأمل حينما ينبعث من القلب! ولا أعرف كيف أرسمه في لوحة، وكل إنسان يمكن أن يقرأها أو يفهمها أو يفسرها على مزاجه، وكلما كانت أغمق وأعمق كانت أكثر إبداعاً في نظرهم، وهناك مذاهب كثيرة.

فأصبح الطلاب في الثانوية يتعلم الإنسان منهم أن يكون سريالياً أو واقعياً، وبعض هذه الأفكار يسارية، وبعضها ثورية، وبعضها إلحادية، وكلها جاءتنا من بيئات كافرة وكلها غير إسلامية، وإن اختلفت في التسميات، فأقول: إذا كان هذا، فلا يجوز أن يترك هذا الجانب بالكلية، بل أحياناً قد يرتكب المنكر الأخف في مقابل دفع المنكر الأعظم، وأرجو أن تفهموها على عمومها في هذا المجال أو غيره، إذا كان ارتكابنا للمنكر الأخف يُؤدي إلى دفع المنكر الأعظم؛ فلا بأس بذلك إن شاء الله، وهكذا الحياة، وهكذا الدعوة إلى الله، لا بد فيها من تحمل أشياء، لا سيما في زمن الانحراف، فنحن قد لا نستطيع أن نفعل شيئاً من الحق إلا بارتكاب بعض الشيء مما يكون فيه بعض الخطأ أو بعض المنكر أحياناً.

وأقول: إن الأمر كذلك، لأن الزمان قد فسد، ولا بد أن نختلط بالناس -مثلاً- ونحن نكره ذلك، وفيه ما فيه، لكن لا يمكن أن ندعوهم إلا إذا اختلطنا بهم، ولا بد أن نُشارك في بعض الأعمال، وإن كان فيها ما فيها، وأن ندخل بعض المجالات وإن كان فيها ما فيها، لكن ما دام لدينا هدف أعظم وأسمى، فلنصبر ولنتحمل ولنسلك هذه المجالات بعد ذلك على هذا الأخ في ذاته أن يستشير ويفكر، ونسأل الله أن يختار لنا وله الخير، إنه سميع مجيب.