للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم شرب الدخان وحلق اللحية ولعب البيلوت]

السؤال

ما هو حكم شرب الدخان؟ وأيضاً حلق اللحية؟ ثم حكم لعب البلوت؟

الجواب

أما التدخين فقد سّقَيْتُم بدعوة غيركم مع الأسف، فالأمة الإسلامية أمة خُلقت لتكون قائدة، وإذا بها مقودة، خلقت لتكون رائدة وإذا بها آخر الركب، كان همَّ السلف الصالح رضوان الله عليهم أن يقودوا العالم إلى الخير، فكانوا أئمة يهدون بأمر الله، صابرين، موقنين، فجئنا في آخر الزمان فجعلنا همنا أن نلتحق بركب الحضارة، وأن نتعلق بالذيل حتى في كل شيء، وقد جعلنا هذا هو همنا وهدفنا.

ولهذا حرمت أمريكا التدخين، وحرمته بريطانيا، وحرمته اليابان، ومنعوا التدخين وحاربوه وكافحوه، فبدأ بعض الناس عندنا يُحارب التدخين ويمنع التدخين، لكن قبل سنوات كان التدخين من علامات الرجولة، فالذي بدأ يدخن يقال: إنه صار رجلاً، إذا جلس المجلس وأخرج السيجارة وبدأ يدخن، أو يشرب الشيشة فكأنها كانت علامات للالتحاق بركب الحضارة الأوروبية الفاجرة.

فأقول: هل نعرض في تحريم التدخين الأدلة الشرعية؟ ونطبق قواعد الأصول عليه: أنه خبيث، وأنه ضار، وأنه يكلف الأمة كذا، سبحان الله! اسأل كل مدخن عن التدخين، ماذا يقول لك؟ هل فيهم من يقول: إنه لذيذ وصحي ومنعش؟! لا يمكن أبداً، وإن كانت الدعايات تزينه باسم المتعة والنكهة والحياة، وهذا كذب، وهو يعرف أنه كذب، ويقول: هذا شر، بل من الناس من يدفعه حياؤه من التدخين ألاَّ يُدخن إلا في دورة المياه -أعزكم الله- ولو كان شيئاً مما يحبه الله ويرضاه؛ لأخرجه أمام الناس، لكن إذا جاءه شخص مثله مدخن انبسط إليه لأنه مثله، وإذا جاء من يستحيي منه ذهب إلى حيث الشياطين، إلى بيت الخلاء! ونقول: ليست القضية قضية التدخين ومعرفة حكم التدخين، بل القضية هل القلوب حية أم ميتة ومريضة؟ هذه هي القضية، وعلامات القلب المريض كثيرة، ومن أوضحها: أنه أمامك يقول: هذا ضار، وهذا فيه.

ثم يقول: لكنه مكروه، فتراه يُجادل في الدين، ويتكلم بما لا يعلم، فيزيد على ارتكاب المحرم أن ينصب نفسه مفتياً، ليقول: مكروه، فيجعل لنفسه عذراً أن يرتكبه، وهذا هو حال الذين يخادعون أنفسهم، ومريض القلب لا تأمن عليه أن يفتري على الله، وأن يقول الكذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن يقول: هذا الدين كذا، والحق كذا، وهؤلاء المتشددون كذا، ويطيل في كلام يعلم أنه باطل، لكن أصل القلب مريض، والأمة مريضة.

اليابان منعت وبحزم وقوة التدخين في القطارات، ولو كانت الرحلة من جنوب اليابان إلى شماله، ونحن أمة القرآن والإسلام، مع علمنا بأن التدخين مضر ويجب أن يمنع في كل الأوقات والأماكن، لكننا نجد بعض الناس يعترض على منعه لمدة ساعة وربع إذا كانت الرحلة داخلية وكأنهم يمنعون التدخين من أجل غيرنا لا من أجلنا نحن.

ديننا يحرم علينا الخبائث ومع ذلك لم يمتنع الناس من التدخين، وهؤلاء ليس لهم دين، وتجد مع ذلك أن اليابان حرمتها في كل مكان، وأمريكا وبريطانيا نسبة انخفاض التدخين فيها (١٥%) سنوياً، والإحصائيات التي عرضها الدكتور محمد علي البار من مصادر عالمية أن في الدول الأوروبية ينخفض التدخين بنسبة (١٥%) سنوياً، لأن ضحايا التدخين في أمريكا مثلاً (٣٠٠.

٠٠٠) سنوياً، وأمريكا لم تخض حرباً خسرت فيها سنوياً (٣٠٠.

٠٠٠) ولا (٣٠٠٠)! لكن التدخين يقتل (٣٠٠.

٠٠٠) سنوياً فهي تحاربه أشد المحاربة، بينما نحن -مع الأسف- ترتفع احصائيات نسبة التدخين في سنوات في المملكة بنسبة (٨٥٠%) بسبب العمالة الوافدة والشباب المتأثر بالعادات السيئة نعم! هناك إجراءات للحد من التدخين لكنها غير شاملة ولا كافية، بل دون المتوسطة، فالصحافة الداخلية منعت من الدعاية للتدخين، لكن المجلات والصحف التي تأتي من الخارج فيها أضعاف أضعاف ما في الصحافة الداخلية.

اللحية فيها حكم شرعي، وبعض الناس يقول: (أنا لا أهتم بالشكليات، وهذه أمور ظاهرية، ونحن يهمنا أن ندعو إلى الله، وأن نهتم باللب ونترك القشور!).

وهذا فهم قاصر لأنه ليس في ديننا قشور ترمى! بل ديننا كله لب وخير نعم! فيه أهم ومهم، وركن وواجب ومندوب، لكن لا يقال: قشور!! ثم إن عادة الناس أن الشيء الشكلي يكون أسهل وأبسط من الأساسي، فمثلاً: لو كانت الجندية أن ألبس بدلة عسكرية فحسب لكان الأمر هيناً، أما أن أتمرن وأتدرب وأجري وأركض فهذا شيء صعب، فالشكل سهل لكن الحقيقة صعبة، فإذا لم يعمل الإنسان بالشيء السهل والهين فلا شك أنه على الواجب والأمر الشاق أضعف وأجبن.

تقصير الثوب أرضى لربك وأطهر لثوبك، وهو لا يكلفك شيئاً إلا أن تأتي الخياط ليقصره قليلاً من ستين سنتمتر إلى ثمانية وخمسين سنتمتر، فتكون قد أبعدت نفسك عن الوعيد وعن مشابهة العصاة، وتأسيت بالنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه، وإذا لم تفعل -وهو أمر سهل وشكلي وبسيط- فأنت عن فعل الواجب أضعف، ولتركه أحرى وأجدر.

الإيمان بالله سهل وهين لكنه تكاليف وفيه الخير كما قال الله تعالى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ} [النساء:٣٩]، ماذا على الإنسان إذا آمن بالله وهو سهل التكاليف؟! بل إن أعباء الإيمان أسهل من أعباء الكفر والشرك والإلحاد! لأنك إذا لم تحارب في صف المؤمنين حاربت في صف الكافرين، وإن لم تتبع الرسول اتبعت أبا لهب وأبا جهل وفرعون، فهذه مشقة وتلك مشقة، لكن شتان بين هذه وتلك! ماذا يضيرك أن تعفي لحيتك كما كانت سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ والله لا يضيرك شيئا، ً بل هذه فطرة ورجولة فوق أنها سنة، بل الناس عندما كانوا على الفطرة لم يكن فيهم من يحلق لحيته، انظروا صور عظماء وأبطال العالم الغربي في القرن (١٩ و١٨م) فالزعماء والسياسيون والعلماء والمخترعون كلهم ملتحون، ولم يعرف حلق اللحية -حتى في الغرب- إلا منذ زمن قريب، ولم يعرف في البلاد الإسلامية إلا مع مجيء الإنجليز والفرنسيين، وكان أمراً لا يفعله أحد، وفي بلادنا أعجب وأعجب، فكل الناس -الذي يصلي والذي لا يصلي والذي يعرف الدين والذي لا يعرف الدين عندهم اللحية علامة الرجولة- فإذا عزمك وضع يده على لحيته، وإذا وعدك أمسك لحيته، إذا قالوا: كم قتلنا من بني فلان؟ قالوا: عشرين لحية، يعنون عشرين رجلاً لأن اللحية رمز الرجولة.

هذا للتذكير بالفطرة، والفطرة في كل شيء وليس في شأن اللحية فقط، فكل من يُحب شخصاً فإنه يقتدي ويتشبه به وإن لم يأمره بذلك، والإنسان الذي يُحب اللاهين واللاعبين والمطربين والمجرمين يعجب بصورتهم وبأشكالهم وبكلامهم وبلباسهم، فيقتدي بهم وهو لم يأمره ولم يجبره على ذلك، وما أمر المجرم المطرب اليهودي الماسوني مايكل جاكسون وأمثاله ببعيد، إذ قيل له: إن العرب يسمعون أغانيك فقال: لو أعلم أن العرب يسمعون غنائي لاعتزلت الغناء! حقداً وبغضاً في العرب؛ لأنه يقول: أنا من شهود يهوه -منظمة يهودية معروفة- فصرح بأنه من هذه المنظمة اليهودية، ومع ذلك أعجبوا به! فبالله عليكم من يُحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وأين الثرى من الثريا- ويريد أن يكون من أهل الجنة، ومن أهل الخير والفضيلة ومن الأئمة، وليس تبعاً ولا ذيلاً ألاَّ يقتدي ويتشبه به، وإن لم يأمره؟ فكيف وقد أمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! وأضف إلى ذلك أنه لم يأمره فقط، بل أخبره أن هذه شعيرة أعدائه، فقال: {خالفوا المجوس}، وهم أشد كفراً من أهل الكتاب، ومع ذلك نفعله طواعية.

وأما لعب البليوت فأين نحن من السلف الصالح؟! إذ كان أحدهم -أظنه طلحة بن مصرف رضي الله عنه- جالساً فدخلت عليه ابنته، وكان معه بعض العلماء من السلف من أصحابه يتحدثون ويذكرون الله، فدخلت ابنة له صغيرة، فقالت: يا أبتاه! أريد أن ألعب! فأعرض عنها، ثم قالت: يا أبتاه أريد أن ألعب! فأعرض عنها واشتغل، فأطالت الكلام لأن الطفل يلح ويلح، فقال له أحد أصحابه: قل لها: العبي حتى نستمر في الحديث وتذهب الطفلة، قال: 'لا أريد أن أجد في صحيفتي لعباً' وهو من المباح! لأن بعض السلف يرى أن كل ما يقوله الإنسان يكتب، وبعضهم يرى أنه لا يكتب إلا ما يتعلق بالحلال والحرام، فلا يريد أن يجد في صحيفته كلمة (العبي) فضلاً أن يلعب هو، بل لو قالها لقالها لطفلة صغيرة لا مؤاخذة عليها، ونحن أمة لاعبة لاهية في كل شيء حتى في حق الله.

ومن هذا العبث أني مرة قرأت لأحد الوزراء -وكان وزيراً وشاعراً- يقول مستحسراً: لو كان الشاعر من الشعبية مثل لاعب الكرة! أي: كان هذا هو الذي ينبغي وهذا عجيب.

سبحان الله! فأمة لاعبة لا يمكن أن تنتصر، ولا أن تحقق ما أراد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ولا ما تريد هي لنفسها أبداً.

بل تفكر في عمرك -وأكثر الأمة لا يجاوز عمرها الستين ونحوها- كم للنوم وللأكل والشراب؟ ما يقارب النصف، وقد أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه: {لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه}، وهذا مما يسأل عنه، فإذا أبليت الساعات الطوال - البلوت لا بد من الطول فيه، بل أشواطه أطول من أشواط الكرة- وأفنيتها في اللعب واللهو فإنك لن تجد الحسنات يوم القيامة.

والشاب الجاد لا يجد من الوقت ما يفعل به بعض الواجبات؛ فكيف باللعب؟ ولهذا قال بعض الصالحين لما مر على أناس وجدهم في ملهى -مثل المقهى الآن- تحسَّرِ، وقال لمن كان معه: (لو أن الوقت يُشترى لاشتريت من هؤلاء أوقاتهم).

فهو يريد أن يكمل القرآن والتفسير، أو الحفظ، أو أن يقرأ من السنة، أو يعلِّم، أو يدعو إلى الله، أو يعمل أعباء