للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الغزو الفكري]

السؤال

فضيلة الشيخ: إننا نحبك في الله ماهو الغزو الفكري؟ وما خطره على الإسلام؟ وما رأيكم في كتاب سلمان رشدي مصائد شيطانية الذي أحدث ضجة في العالم؟ والذي يدور حوله هذا الكتاب؟

الجواب

الغزو الفكري شرحه يُذكرني بكتاب هارون الرشيد إلى نقفور لما كتب إليه كتاباً فردَّ هارون الرشيد عليه بقوله: [[الجواب ما ترى لا ما تسمع!]].

فالغزو الفكري هو واقع الأمة الذي نراه ونلمسه، أمة مغزوة في كل جانب، ما ترك أعداء الله وسيلة إلا واستهدفونا بها خاصة في هذه البلاد، لأننا نحن قلب العالم الإسلامي، ونملك من مقومات القيادة ما يجعل أعداء الإسلام يحقدون علينا وينقمون منا ويخططون لنا أضعاف ما يخططون لغيرنا؛ لأنه كلما كان العدو أقوى كان حرصك على تدميره أكثر، ونحن نمتلك من مقومات البقاء ما منَّ الله به علينا -ونسأل الله أن يديمه وأن يزيده قوة- ولهذا فهم يهدفون إلى تحطيمنا وتدميرنا بالشهوات والشبهات أكثر بكثير من غيرنا.

انظر إلى ما حولك! واذهب إلى المكتبات ستجد الكثير من الكتب والمجلات تسهل الغزو الفكري، اذهب إلى المناهج ستجد الغزو الفكري دخل وتغلل فيها، اذهب إلى أمورنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية لترى آثار الغزو الفكري في كل مكان، في المرأة المسلمة، والتاجر، حتى الطفل جعلوا له مجلات خاصة، وبعضها يتكلم عن وحدة الوجود وعن ابن عربي والمعراج الروحي سبحان الله! حتى الصوفية الكافرة الحلولية الوجودية تذكر في مجلات الأطفال! وغير ذلك كثير.

الأفلام ووسائل الإعلام العامة، حتى تفكير الناس واهتماماتهم تغيرت، كانوا قبل سنوات يهتمون بأمر الآخرة، أما الآن فقد شغلتهم الأعمال والمؤسسات والتجارات، ويا ليتهم يبنون لهذه البلاد ولهذا الدين! وإنما يفتخر هذا بأنه يبيع لليابان، ويفتخر هذا بأنه يبيع بضائع أمريكية! والمستفيد أعداء الله يأخذون أموالنا ويعطونها لأولئك وتكون لهم نسبة، وهكذا أصبحت حياتنا مغزوة من كل جانب، حتى المساجد لو استطاعوا أن يجعلوا فيها الصلبان لجعلوه فيها، ولو استطاعوا أن يعبثوا أكثر لعبثوا، ونحن في غفلة! فهم يخططون وبإحكام رويداً رويداً، ويأتون بقضية من القضايا ليروا رد الفعل، فإن أنكرها الناس سكتوا وأخروها، وإن سكت الناس، وقالوا: بسيطة وصغيرة أتوا بما هو أكبر وأكبر، فإذا استحكم الأمر نظر أهل الحق بعضهم إلى بعض، ووجدوا أنفسهم قلة فرادى حيارى لا حول لهم ولا قوة، وهكذا في كل أمر من الأمور.

ترى أقلاماً صغيرة فيها صور خبيثة، وعلبة كبريت فيها صورة خبيثة، وعلبة الصابون كذلك، فكل شيء تراه في حياتك اليومية لا تجد فيه شيئاً يذكرك بالله، وإنما يذكرك بالشهوة، وبإضاعة العمر، وبكل ما يبعدك عن الله وعن اليوم الآخر، فقد دخل الغزو الفكري في كل المجالات.

ولكن نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يوفق الدعاة والقائمين على أمر هذه الأمة من العلماء وكل من يهمهم أمرها إلى القضاء عليه ومحاربته ومكافحته، فنحن ما ترك سبيل إلا واستُهدِفنا به، وأذكر مثالاً واحداً وهو المخدرات، ففي أمريكا تباع بالملايين، ويقبض على العصابة بأشد الطرق تطوراً، وإذا قبض على كيلو أو كيلوين من الحشيش في أحد المطارات ثارت ضجة إعلامية حولها.

لكننا نحن نستهدف بكميات كبيرة جداً وشبه مجانية؛ لأن وراء هذه المخدرات مجتمعات تعادي هذه البلاد وتعادي الإسلام، وتريد أن ينتشر هذا الداء ولو دفعوا من أجله، بل حتى أفلام الفيديو في أمريكا أغلى من هنا، وبعض المواد التي تحتوي على شحوم خنزير هناك غالية، وتأتي إلى بلاد المسلمين فتجدها رخيصة، وأشياء كثيرة لا يمكن أن تفسرها إلا أن هناك غزواً وتخطيطاً حتى في النواحي المادية، وهم يعبدون المادة يعبدون الدرهم والدينار والدولار، لكنهم يضحون بها من أجل أن يفسدوا شباب الإسلام في كل مكان.

أما موضوع سلمان رشدي والقصائد الشيطانية والضجة التي أحدثها، فأنا أعجب من الضجة ولا أعجب من الكتاب ولا من المؤلف، فهو كاتب معادٍ للإسلام أو مرتد، سواء كان الاسم حقيقياً أو وهمياً، ومن أي بلد كان، ولم يأت بجديد، لأن الإسلام يستهدف ويكتب عنه في كل زمان ومكان.

والذي أتعجب منه أن الرافضة يعلنون استنكارهم منه وردته وقتله، وتتأزم العلاقات مع بريطانيا من أجل ذلك، مع أن ما قاله سلمان رشدي أقل بكثير مما قالته الرافضة في كتابهم الكافي، بل فيه أضعاف أضعاف ما قاله سلمان رشدي من الاستهزاء والسخرية، وقذف أمهات المؤمنين وقذف الأنبياء والتطاول على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

نحن المسلمون كما مثَّل مالك بن نبي عندما قال: إنه يمارس على المسلمين مثل ما يحدث في مصارعة الثيران: خرقة حمراء يلوح بها المصارع، والثور بقوته وعضلاته ينطح الخرقة، ويكرر ويكرر، ثم يطعنه المصارع من الخلف حتى يموت! كلما رأونا اتجهنا اتجاهاً صحيحاً رفعوا لنا خرقة حمراء فشغلونا بها، إما أن شغلونا بـ سلمان رشدي، أو بطفل الأنابيب، أو بأي أمر آخر، إنهم يريدون أن يشغلونا عن خططهم التي تفتك بنا في بلادنا.

بل إنهم نجحوا في بلاد قريبة عربية في منع أي كتاب لـ ابن تيمية أو محمد بن عبد الوهاب بل ربما القرآن! وقد تتهم بذلك وتدخل السجن! هذا في بلاد فتحها الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- بل بعض هذه البلاد لا مصدر لها لمعرفة الدين والحق إلا برنامج (نور على الدرب!) وهناك أمم بأكملها بهذا المثابة لا تذكر، فإذا جاء مجنون في آخر الدنيا صحنا وشجبنا واستنكرنا.

نعم! ينكر على من يقول في الله وفي رسوله مالا ينبغي وندين هذا الشيء، لكن لا نغفل عما هو أكبر وأشد وأعظم وأقرب أو نتناساه، بل لا بد أن يكون موضوع بحثنا دائماً عن هذا الخطر الداهم الساحق، وهو استئصال الإسلام في بلاد الإسلام الذي فتحها الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- ثم بعد ذلك أحوال المسلمين عامة كـ أفغانستان مثلاً وهي تمر بأخطر مرحلة في هذه الأيام.

وأشير إلى معنى الدعاية -كاستطراد- فهي قد تطلق كلمة ويرادبها الحق، وقد تطلق ويراد بها الباطل، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما كتب إلى هرقل وقال له: أدعوك بدعاية الإسلام.

أي: دعاية الحق.