للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المدرسة العقلانية]

السؤال

ما موقف العقلانين من الإيمان بالغيب؟ وكيف يُرد على من أنكر بعض المغيبات بحجة أن العقل ينكرها؟

الجواب

العقلانيون مدرسة -في الأصل- ظهرت بتأثير الفلسفة اليونانية، وقد تبناها المعتزلة، والخوارج، والرافضة وكل المتكلمين؛ ثم ظهرت بشكل حديث في فكر الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني ومن تتلمذ عليهما؛ وماتزال إلى اليوم متمثله في المدرسة المسماة (المدرسة العصرية) أي التي تفسر الإسلام تفسيراً عصرياً يتناسب مع العلم ومع العصر الحديث بزعمهم.

وأما موقفهم من عالم الغيب فإنه متناقض، فكل واحد منهم يثبت مالا يثبته الآخر، أو ينفي ما لا ينفيه الآخر وهكذا؛ لأنهم لا يرجعون إلى معيار ثابت سديد، فحسب الإنسان أن يخرج عن الطريق المستقيم، وعن الجادة؛ لأنه بعد ذلك ستتشعب به الطرق، ويذهب كل مذهب، فهؤلاء -مثلاً- ينكرون بعض الأشياء بحجة أن العقل أو أن العلم ينكرها، ويكفي هؤلاء أن يعلموا أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قال لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} [الأنبياء:٤٥]، فالوحي من عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولم يأت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء من عنده قط.

ولو أن العقول وحدها تكفي؛ فلماذا بعث الله تبارك وتعالى الرسل؟ ألم تكن فلسفة أرسطو وأفلاطون وسقراط وأمثالهم موجودة ومترجمة! فما الحال إذا لم يبعث الله تبارك وتعالى الرسل! وأصبح الناس يستغنون بهذه الفلسفات؟ فلسفات وثنية ضالة حائرة، ولذلك يأتي فيلسوف فيهدم ما قاله الأول، وكما قال أحد السلف الصالح: 'من جعل دينه عرضة للخصومات؛ أكثر التنقل' وقال الإمام مالك رحمه الله: 'لأن يبتلى العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله؛ خيرٌ من أن يبتلى بعلم الكلام' فهذه العلوم هي التي صرفت الناس عن الإيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى والتسليم بخبره إلى القضايا العقلية والذهنية المجردة.

والحقيقة أن العقلانيين المعاصرين ما هم إلا امتداد للمذهب الذي ظهر في أوروبا وأشرنا إليه، فالشيخ محمد عبده -وهو رأس هذه المدرسة- يعتبر تلميذ الفلسفة الوضعية، الذي وضعها الفيلسوف الفرنسي المعروف أوجست كولد والذي يقرر فيها أن العالم الإنساني تطور إلى ثلاث مراحل: مرحلة السحر، ثم مرحلة الدين، ثم مرحلة العلم، فجاء الشيخ ليوفق بين هذا الكلام، وبين ما يعتقده من دينه.

فقال: إنه الآن وفي هذه المرحلة الجديدة يجب أن نحدث في الإسلام إصلاحاً، ونجرده من كل ما يتنافى مع هذه المرحلة ويقصد بها: مرحلة العلم، ومن هنا أنكر الطير الأبابيل، وأنكر الشياطين أو الجن وغيرها، وقد أفضى إلى ربه وقدم عليه.