للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الاستعانة بالنصارى وإعلان الهدنة معهم]

السؤال

بعض أهل العلم عفا الله عنهم يستدلون بقتال خزاعة مع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حنين أو في فتح مكة وأنه استعان بقوم كانوا كفاراً مشركين أن يقاتلوا معه، يستدلون بهذا على جواز الاستعانة بالكفار في القتال فهل هذه صحيح؟

الجواب

لا، الحقيقة أن قبيلة خزاعة كانت عام الحديبية عام الصلح كما في صحيح البخاري عن الزهري كانت خزاعة مؤمنهم ومشركهم في عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فدخلوا في حلف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الحديبية؛ لأن الدولة الإسلامية لم تكن قد شملت المنطقة، فالدولة كانت في المدينة، ويحكمها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما امتدت إلى ما حولها، وبقيت قبائل ومناطق بعيدة غير داخلة في الدولة الإسلامية، وأيضاً ليست داخلة ضمن قيادة قريش، فلما عقد الصلح بين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين قريش، تراضوا على بند من بنود الصلح أن من أراد أن يدخل في عقد محمد وعهده فليدخل، ومن أراد أن يدخل في عقد قريش وعهدها، فليدخل فهذا في عام الحديبية.

ثم كانت قصة الفتح، وسببها نقض قريش للعهد، إذ إنها أعانت حلفاءها بني بكر على خزاعة فجاء عمرو بن سالم من خزاعة موفداً إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال قصيدته المعروفة ومن ضمنها:

وقتلونا ركعاً وسجدا

خزاعة كانت مسلمة لأنه يقول: وقتَّلونا ركعاً وسجدا، فمعنى ذلك: أن الصلح قد انتقض، فلما تقدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودخل مكة كانت معه خزاعة، وكانت قد أسلمت جميعاً، وكما قرأنا في الأحاديث بأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يشترط أنه لايدخل معه إلا من أسلم، وهي أحاديث صحيحة فليس هناك مجال للاحتجاج بهذه القصة.

وأما حديث الروم فقد سبق وأن تكلمنا عنه، وإن شاء الله تتاح لنا فرصة فنتكلم عن الروم من خلال الأحاديث؛ لأن الملاحم قائمة مع الروم إلى قيام الساعة، وهناك أحاديث كثيرة جداً في الملاحم، وأن الروم يقاتلون المسلمين.

ففي صحيح البخاري، حديث عوف بن مالك رضي الله عنه: {انتظر ستاً قبل الساعة ومنها: هدنهٌ تكون بينكم وبين بني الأصفر، ثم يغدرون بكم ويقاتلونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً}.

هذه الهدنة تكون بيننا وبينهم ثم يغدرون، الرواية التي في مسند أحمد وسنن أبي داوود وغيرها، وذكر فيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنكم {تصالحون الروم وتقاتلون معهم عدواً فتسلمون وتغنمون -قال في آخره-: فإذا برجل من الروم يقول: غلب الصليب، يرفع شعار الصليب فتقع المعركة فيغدرون بكم} والروايات الأخرى في البخاري وغيره تفسر هذا الحديث، وأنه بعد الهدنة وبعد الصلح يكون الغدر.

فلو قرأنا الحديث إلى آخره وقرأنا الأحاديث الأخرى معه، فهل نفهم من هذا الثقة في الروم أو الغدر؟ لا.

لن نفهم منها إلا الغدر! فإذاً لا يوجد حديث حجة يصلح للاستشهاد به هنا.