للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جزيرة العرب للمسلمين]

أما إذا كان هذا الرجل حراً، وإنما جيء به من أجل عمل من أعمال الدنيا، فهذا هو الذي ينطبق عليه ما قاله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا يجتمع في جزيرة العرب دينان}، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلماً} وهذا في آخر حياته، فهو حكم ناسخ لما قبله.

وهذا يبطل استدلال من يستدل أن أهل خيبر صالحهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أن يقيموا فيها ويزرعوها، فيكون لهم النصف وللمسلمين النصف، فإن أهل خيبر كانوا أرقاء لأنهم استسلموا في الحرب، فكانوا مما يسمى برقيق الأرض.

ولما أوصى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في آخر حياته بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب نفذ ذلك الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وظهرت له خيانة اليهود التي لا بد أن تقع، فأجلى يهود خيبر إلى أذرعات من بلاد الشام، وفرقهم في البلاد، وطهر جزيرة العرب من رجس هؤلاء الكفار، وبقي هذا أمراً مألوفاً لا يخرمه ولا يخرقه أي خارق أي أن جزيرة العرب بلد للمسلمين فقط لا يساكنهم ولا يعاشرهم فيها أحد.

بقي هذا أربعة عشر قرناً إلى أن جاء الاستعمار الحديث، ودخل الإنجليز والبرتغال أطراف الجزيرة، أما قبل ذلك فلم يكن أي كافر يأتي إليها إلا متخفياً، بل إن بعض الرحالة الأوروبيين الذين جاءوا لاكتشاف جزيرة العرب قتلوا على أيدي الأهالي، لأنهم رأوا أن هذا كافر يهودي أو نصراني، ولا يجوز له أن يدخل إلى جزيرة العرب، وهذا موافق لما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وسبق أن تعرضنا لقضية التجارة وحكمها، وقد نحتاج ذلك لأننا نتاجر مع الكفار وبما يأتون إلى ثغور المسلمين أو موانئهم وأطراف بلادهم، وقد يُحتاج أن يدخلوا ببعض تجاراتهم إلى بلاد المسلمين، فإذا احتاج المسلمون للتعامل مع الكافرين في بعض الأمور-كالتجارة- فعليهم أن يفعلوا مثلما أوصى الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كما روى أبو عبيد في كتاب الأموال إذ جعل لأهل الروم ولمن تاجر من أهل الكتاب ثلاثة أيام، يأتون بتجارتهم مما يلزم المسلمين إلى ظاهر المدينة، ولا يدخلون إليها، فيأتي إليهم المسلمون، فيشترون منهم البضائع لمدة ثلاثة أيام ثم يعودون.

أما أن يستخدموا ككتبة أو مستشارين أو خبراء، فهذا حرام، ولو كان في بلاد ما وراء النهر، أو في الأندلس، أو في أي مكان، وقد بلغ الفاروق عمر أن أبا موسى الأشعري استخدم كاتباً نصرانياً، فكتب إليه يعاتبه أشد العتاب ويقول: [[كيف تأمنونهم وقد خونهم الله؟! وتكرمونهم وقد أهانهم الله؟!]].

وله مع المغيرة بن شعبة قصة -وكان المغيرة في العراق ليس في داخل جزيرة العرب - إذ كتب المغيرة إلى عمر: إنني استخدمت هذا النصراني، وإنه رجل نبطي، ولا يجيد الحساب غيره، فكأنه يقول: وجود الرجل ضروري لنا، فكتب إليه الفاروق كلمتين، قال له: [[هب أن النصراني مات، والسلام]].

فيقطع الجدال والنقاش في هذا الموضوع، فـ جزيرة العرب لا يجوز أن يجتمع فيها دينان في أي حال من الأحوال، ومن هنا نعلم لماذا علماؤنا -جزاهم الله خيراً- الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ عبد الله بن حميد في فتواهم المسجلة والمقروءة يذكروننا دائماً بهذا الحكم، يقولون: 'لا يجوز للمسلم أن يستقدم الكفار إلى جزيرة العرب '.