للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اقتراب موعد الهلاك]

فإذا كثر الفساد في الأرض وانتشر الخبث في الناس، فإنه ينذر بعاقبة وخيمة! عندما سألت إحدى نساء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أونهلك يا رسول الله وفينا الصالحون؟ قال: نعم.

إذا كثر الخبث} فالخبث إذا كثر في أمة من الأمم فإنه نذير بأن تهلك هذه الأمة كما ورد ذلك في القرآن؛ إما بخسف أو بمسخ أو بريح أو بعاصفة أو بفيضان أو بزلزال أو ببركان أو بطاعون أو بمرض أو بغير ذلك من جند الله التي لا يحصيها إلا رب العالمين، يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في هذا: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:١٠٢] فالشرط أن تكون ظالمة، ويقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:١١٦ - ١١٧].

فيقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ} [هود:١١٦] أما إذا أُمر بالفساد وانتشر الفساد، ولم يوجد أولو بقية من الصالحين والطائعين ينهون عن الفساد في الأرض، فإنها عند ذلك تقع الطامة، فقوله: {أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [هود:١١٧] هؤلاء قليل، أما البقية الذين ظلموا فإنهم اتبعوا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين، مجرمين على أنفسهم، ومجتمعهم، وأسرهم، وديارهم التي كانوا يسكنون فيها، فإن العذاب لما حلَّ، حَلَّ بالجميع: قُلِبتَ الديار، وتضرر المجتمع، والأفراد، والأسرة، والدواب، والشجر، والحجر من تلك المعاصي التي كانوا يفعلونها.

فما كان ليهلكها بظلم وأهلها مصلحون، ونجزم بذلك لِماَ نُؤمن به من وعد الله ألا يهلكهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

ويقول الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مبيناً كيف قصم الأمم التي ظلمت أنفسها {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ} [الأنبياء:١١ - ١٥] فما زالت تلك دعواهم، أي ما زالوا يرددون {يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء:١٤] حتى جعلناهم حصيداً خامدين، والسبب هو: أنهم من قرية كانت ظالمة {فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا} [الأنبياء:١٢] لما أحسوا بالخطر والضياع والتشريد والدمار بدأت الصيحات وإنذارات الخطر تظهر يمنة ويسرة وأماماً وخلفاً، كلهم ينذرون صيحة الخطر {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ} [الأنبياء:١٥].