للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الإخبات]

الخبت في اللغة: هو الأرض المنبسطة، والإخبات: أخبت إذا طأطأ حتى يساوى بالأرض، ففي هذا دليل على كمال الانقياد والإذعان {فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج:٥٤] فالإخبات هو عدم الاعتراض, فلو ارتفعت لكان فيها نوع من الاستكبار.

ولهذا يقولون في قلوب الكفار: إنها قلوب متكبرة جبارة, وكثيراً ما يصفهم الله بوصف الاستكبار؛ لأنهم يستكبرون عن عبادة الله وطاعته والانقياد لأمره، فالاستكبار ضد الإخبات.

والإخبات في الشرع هو: الخضوع الكامل والمطلق، فكأنه التصق بالأرض، فليس لديه أي اعتراض على ما يأتي من عند الله تبارك وتعالى، فهو كما قال الله عز وجل: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥] والتسليم هو: حالة الإحسان التي ذكرها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث جبريل العظيم المشهور، وهو: {أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك} لأنه كما قال ابن القيم رحمه الله تحكيم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مقام الإسلام.

فمن لم يحكم رسول الله على قلبه ونفسه, ويجعل هواه تبعاً لما جاء به في أصل التحكيم؛ فإنه ليس بمؤمن ولا بمسلم, إذ التحكيم في مقام الإسلام هو كما قال: {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ} [النساء: ٦٥]، وانتفاء الحرج يكون في مقام الإيمان، فالإيمان درجة أعلى من درجة الإسلام، فالدرجة هذه أنه حكم وانتفى الحرج من قلبه فلا حرج فيما يحكم به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

والمقصود هو: ما جاء به عامة، أي: ما جاءنا من حكمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهديه وسنته الظاهر منها والباطن، فنجعل كأنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بنفسه قائم بين أظهرنا, يقول: اعملوا كذا ولا تعملوا كذا.

فرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غاب بجسده, وأما دينه وسنته وهديه فهي بين أيدينا وحجته قائمة علينا, فلا بد من انتفاء الحرج هذا في مقام الإيمان.