للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الطائفة الأولى: أهل الكلام]

إنَّ أهل الكلام: هم الذين تُقرر كتبهم ومناهجهم الآن في الجامعات والمعاهد والمدارس الإسلامية خارج هذه البلاد إلا ما رحم الله, بل ربما قررت هنا في بعض الجامعات وتدرس في بعض المساجد.

عقائد أهل الكلام التي يقولون فيها -كما يقول الباقلاني وهو من أكبر أئمة المذهب الأشعري المتقدمين والجويني -: 'إن الإيمان هو التصديق دون سائر أعمال القلب والجوارح' فالإيمان عندهم مجرد التصديق دون سائر أعمال القلب والجوارح, والجويني في الإرشاد يأتي بالخلاف فيقول: قال جهم: 'الإيمان هو المعرفة بالقلب وقال: السلف الإيمان قول وعمل ثم يقول: والذي نرتضيه ديناً هو: أن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط' أي: غيَّر عبارة جهم والتي هي المعرفة، وجاء بالتصديق.

إذاً: هو يرفض مذهب السلف بعد أن نقله وأورده وذكره، فكيف يكون هؤلاء من أهل السنة والجماعة كيف يكونون متبعين لمنهج السلف الصالح وهم يذكرونه ويتعمدون مخالفته، وإلى أي رأي يخالف! إلى رأي ليس ببعيد عن رأي جهم، وإن غيروا المعرفة وجعلوها تصديقاً.

فإذا تجرد التصديق عن العمل، وعن بقية أعمال القلب والجوارح؛ فإنه يصبح في الحقيقة علماً مجرداً أو معرفة مجردة لا أكثر ولا أقل، فكأن الاختلاف بينهما -بين الأشاعرة والجهمية - لفظي فقط.

إذاً: ماهي نتيجة أن تدرس عقائدهم الباطلة من أقصى إندونيسيا مروراً بـ الهند وبنجلادش وباكستان وغيرها إلى الدول العربية إلى تركيا إلى إفريقيا وتكون هذه هي المناهج التي يتعلمها الناس، فيقال لهم: إن الإيمان فقط هو التصديق ولا يدخل فيه أعمال القلب ولا أعمال الجوارح.

إنه يترتب على هذا الكلام خطر عظيم، وهو الواقع في أحوال المسلمين اليوم؛ حيث اعتقدوا أن الكفر هو التكذيب، ما دام أن الإيمان هو التصديق، فمن اعتقد أن الله حق، وأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صادق؛ فقد صدق وهو مؤمن، فالكافر هو الذي يعتقد أن الله تبارك وتعالى ليس حقاً وأن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس صادقاً، وكم من المسلمين من يعتقد ذلك؟! قليل جداً.

فلما أهملوا التوكل والاستعانة واليقين والإخلاص وغير ذلك من أعمال القلوب؛ استُعين بغير الله، واستُغيث بغير الله، ودُعي غير الله، وعُبد غير الله؛ فامتلأت بلاد العالم الإسلامي بالقبور، والأضرحة، والمشاهد، والمزارات، وأصبح الناس يتقربون إليها، ويطوفون حولها، ويدعون أصحابها، ويبتهلون إليها، ويتضرعون إلى أصحابها، ويذبحون لهم، ويهدون إليهم، فإذا قلت: هذا شرك، وهؤلاء يقعون في الشرك، قالوا: ليس هذا بشرك أو كفر؛ لأنهم تعلَّموا أن الكافر هو الذي كذَّب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يؤمن به، وهذا مصدق، فإذاً أنتم مبتدعة، وأنتم على مذهب الخوارج! وتهمة الخوارج هذه إذا سمعتموها وأنها تقال لمن ليس من أهلها، فاعلموا أن هذه هي سنة الله تبارك وتعالى كما قال: {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات:٥٣]، وكما قال الله تبارك وتعالى لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [فصلت:٤٣]، فيقال: خوارج لكل من دعا إلى الله تبارك وتعالى على علم وبصيرة, وهو واضح أنه مجانب لمذهب الخوارج مثل ما بين السماء والأرض.

فهكذا يتهم أهل الباطل وأهل الإفك من أراد أن يجرد التوحيد وأن يخلصه لله تبارك وتعالى، في القديم والحديث، وفي كل زمان ومكان.

إن إغفال أعمال القلوب هو الذي أدى إلى هذه الظاهرة العجيبة جداً لو تأملناها، وربما أن من خرج من هذه البلاد ورآها، تعجب كل العجب، فتجد أستاذاً جامعياً في كلية الشريعة أو في غيرها على درجة كبيرة من العلم يقول: ذهبت عند ضريح الشيخ فلان أدعو، فيقال: أنت دعوته، فيقول: لا أنا ما دعوته ولكن دعوت الله تبارك وتعالى بواسطته، فإذا قلت له: فما رأيك فيمن يدعوه! يقول: حتى من يدعوه فغرضه التوسل، فإذا قلت: وأين الدليل؟ يقول: الله تبارك وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة:٣٥] سبحان الله! كل هذه الآيات التي في أعمال القلوب تهمل, ويؤتى بمثل هذه الآية, ويتأولونها على غير وجهها, ويجعلونها معارضة لكل الآيات الصريحة الدلالة الواضحة على أنَّ القلوب لا بد أن تتجرد لرب القلوب تبارك وتعالى.