للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الآثار السيئة للانحراف في القدر]

فانظروا كيف تحدث هذه الشبهات طعناً في الدين وثلمةً فيه؛ فيفضي ذلك القول بالطرف الآخر إلى ردة الفعل، فمن هو الطرف الآخر؟ الطرف الآخر هو الذي يقول: إن الله عز وجل هو فاعل كل شيء كما قال بذلك الجهمية ومن اقتفاهم، كالكسب عند الأشعرية، والكسب أصلاً كان عند النظام عند المعتزلة، ثم أخذه منهم الأشعرية.

فـ الشيعة قدرية ينكرون القدر، والأشعرية جبرية، أي يقولون: إن الله هو الفاعل، ولا يقولون: إن الله هو الخالق، وتبعهم على ذلك غلاة الصوفية الذين يقولون: إن أي فعل يقع يجب عليك أن تعتقد أن الله هو الفاعل -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- فالناس يفعلون الزنا، وشرب الخمر، والمحرمات الكثيرة، فهل نقول: إن الله هو الفاعل؟! لا.

ولكن الله شاء ذلك وأراده كوناً ولكنه لم يحبه ولا يحبه شرعاً؛ خلقه فيهم؛ لكن ليس هو الفاعل له؛ وإنما الله خالق، والعبد هو الفاعل.

والشبهة الأخيرة هي قولهم: كيف يجازيهم الله عز وجل؟ فنقول: هل يجازي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى العباد على ما يعلم؟ وهل يبعثهم يوم القيامة ويقول: أنا أعلم أنك تفعل المعاصي فأجازيك عليها، أو أعلم أنك تفعل الطاعات فأثيبك عليها، أم يجازيهم على ما فعلوا؟ فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يجازيهم على ما فعلوا؛ ولهذا يسترسل الإنسان: {وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [الكهف:٥٤] ولا يصدق بما يقرره عليه ربه، ويتهم الملائكة الكاتبين الكرام، ويقول: يا رب! لا أقبل شاهداً إلا من نفسي، فيختم الله عز وجل على أفواه أولئك العصاة وتتكلم أيديهم، وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون، وتنطق جلودهم بأنها عملت المعاصي.

إذاً: فهذا الإنسان عندما يحاسب ويدخل الجنة أو يدخل النار فهو نتيجة للأسباب التي اتخذها، والأعمال التي عملها، وإلا لو كان الحساب على مجرد العلم؛ لكان أوّل ما خلق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى آدم واستخرج من ظهره ذريته وقال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وهؤلاء في النار ولا أبالي، انتهى الأمر ولا حاجة إلى أن يخلقوا، وأن يأتوا إلى هذه الدنيا، لكنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يجازيهم على أعمالهم، وهذه الأعمال التي يعملها الناس منها ما هو غير اختياري فلا يحاسب عليه الإنسان.

فهل يحاسب الله تعالى المجانين؟ بل ورد أن أربعة من الناس يتظلمون إلى الله عز وجل يوم القيامة: المجنون، والهرم، والصغير، والزّمِن أصحاب العاهات- كل منهم يوم القيامة يقول: يا رب! لما جاء الرسول كنت مجنوناً أو كنت هرماً أو كنت صغيرا، ً فكيف تحاسبني يا رب! وأنت الذي لا تظلم أحداً شيئاً؟! فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يمتحنهم ويختبرهم: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً} [يونس:٤٤] فالله غني عن الناس، وغني عن ظلمهم: {يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا} فالذين يقولون: إن الله قدّر ذلك وكتبه علينا فكيف يحاسبنا؟ نقول: أنت جعلت نفسك كالمجنون أو الصغير أو الزمن الذي لم يدرك شيئاً من الدين، وهذا لا يصح أبداً.

فأنت قد جاءك الدين والإيمان وبلغك، فلو أن هذا الأمر خفي عليك كحكم من الأحكام لم تعلمه، فتقول كما قال سبحانه: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:٢٨٦] فيقول عز وجل: قد فعلت.

وهذا الأمر فيما بلغك وأخطأت فيه أو نسيته، لكن في أمر تعمدته كعلمك بأن الله عز وجل أمرك بالصلاة ولم تصلِّ، فهل ينفعك يوم القيامة أن تقول: يا رب! قدّرت هذا علي أو قضيت؟ هذا لا ينفع أبداً! فاعلم أن الله عز وجل أمرك أن تأمر بالمعروف، وأن تنهى عن المنكر، وأن تطيع الله ورسوله فيجب عليك أن تحقق ذلك.