للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النوع الأول: إتلاف المنكر]

وأعظم هذه العقوبات التي يمكن أن يقوم بها رجل الحسبة هي: إتلاف المنكر بعينه، كالأعواد وآلات اللهو، وأعظم من ذلك الأصنام، فلو علم أن بعض القبائل أو بعض المناطق في البادية أو ما أشبه ذلك تعبد أصناماً، أو تقدس حجارة أو أشجاراً وتتبرك بها، فيجب على المحتسب أن يقطعها، وعلى ولاية الحسبة إزالة هذه الصخور وتدميرها وإتلافها بالكلية وقطع الأشجار، فهذه أحد الأمور التي هي من الوظائف الأساسية لعمل الحسبة: أن يقضي على المنكر ويغيره.

ومع تطور الحياة والحضارة في الأمة الإسلامية، تفرعت قضايا أخرى، وتكلم الفقهاء فيها، فمثلاً قالوا: ما حكم اللبن المغشوش، هل يدخل فيما يتلف؟ فقال بعض العلماء: يتلف، واستدلوا على ذلك بأن عمر رضي الله عنه أراق اللبن المغشوش، فمن عمل المحتسب أن يمر بالأسواق فإذا رأى لبناً مغشوشاً يتلفه، وقال بعض الفقهاء: لا يتلف وإنما يتصدق به، وليس هناك كبير خلاف إن شاء الله لو نظرنا من جهتين: - من جهة أن هذا اللبن المغشوش لا يباع ويجب أن يعاقب صاحبه بإتلافه، وهذا ما نظر إليه من قال: يراق، وقال: هذا من التعزيرات المالية، وهي حق ولها أصل شرعي في عدة أحاديث ليس هذا مقام التفصيل فيها، وقال: هذا من إتلاف عين المنكر، وهذا منكر يتلف بعينه، عقوبة لصاحبه حتى لا يعود إلى الغش.

- والذي قال لا يراق: نظر إلى أنه لبن قد يشرب، وبعض الناس قبل أن يشرب اللبن يضع عليه ماء، فقال: إذن لا يراق وإنما يتصدق به.

فأنا أقول: يمكن أن يعاقب صاحب اللبن هذا أو ما أشبهه -فاللبن كمثال- بأن يؤخذ منه هذا الشيء، ويأخذه المحتسب ويتصدق به على الفقراء.

ومثل: صاحب الفاكهة المغشوشة أو صاحب الطعام المغشوش أو ما أشبهه، يصادر منه، ويعطى للفقراء تحت نظر ولاية الحسبة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

ولو أن ثوباً نسج من الحرير هل يتلف، أم يتصدق به؟ الأرجح أن مثل هذا يتلف، والخمور تتلف مع أوعيتها، وآلات اللهو هل يقول قائل: إنه يمكن أن تغير ويستفاد منها أعواد (خشب آخر؟) فنقول: هذا قد قيل في بعض المذاهب والأولى والأرجح أن تتلف إلا أن تؤخذ وقوداً، أو توضع في نار للتدفئة.

فمن عمل المحتسب أنه إذا رأى طنبوراً أو مزماراً أو طبلاً إلى آخر آلات اللهو أتلفه بعينه ولا ينظر إلى كونه ذا ثمن أو قيمة مهما كان ارتفاع ثمنه، ومن ذلك الآن ما يسمى في أيامنا هذه -مع الأسف- الذهب الرجالي!! فإذا ذهب أحداً إلى سوق الذهب، وقال: أريد ذهباً، فيقال له: رجالي أو نسائي، سبحان الله!! أيوجد ذهب رجالي، كيف وهو حرام على الذكور؟! فيقال لأهله: الحكم فيه الإتلاف، فإذا حولوه أو صاغوه بطريقة معينة بحيث يصبح مما يحلى به للنساء، فلا بأس.

أما إذا كان الثوب مغشوشاً، بأن كان يعرض على أنه من القطن (١٠٠%) وليس فيه إلا (٣٠%) أو (٢٠%) من القطن، فيكون مثل اللبن المغشوش، هل نقول: يحرق عقوبة لصاحبه؟ قال بذلك بعض العلماء، والبعض قال: يتصدق به.

المقصود أنه يعاقب صاحبه؛ لئلا يغش بعد ذلك فهذه من جملة صلاحيات المحتسب، وتكلم فيها الفقهاء؛ لأنها كانت أمراً واقعاً تعيشه الأمة الإسلامية، ورجل الحسبة يقوم بهذه الأعمال، هذا أمر عادي وطبيعي في المجتمع، وما كانت هناك صحافة في تلك الأيام تحارب المتدينين وأهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتسبهم وتحقرهم ولا كان هناك مجالس غيبة ولا نميمة، ولا مجالس فجار وسكارى يشتمون رجال الدعوة ورجال الهيئة، والأمة كلها تعرف أن هذا من عملهم ومن شأنهم، وليس لأحد الحق أن يتدخل فيه إلا أن يفتي العلماء أن هذا مما لا يجوز لكم -مثلاً- أو لا تتلفوا ذلك الشيء أو افعلوا به كذا؛ لأنهم منفذون لما يفتي به العلماء.