للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نظرة الغربيين للإسلام]

هذا أحد الإخوة الغيورين نسأل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن يبارك فيه، وأن يكثر من أمثاله من المقيمين في فرنسا، كتب هذه الرسالة المطولة عن نظرة الغربيين للإسلام، وما جمعه من حقائق حول ذلك، منها: السعي الغربي لتذويب المسلمين فيه باسم الاندماج، ومنها مظاهر العنصرية الدقيقة جداً، وعلى أبسط صورها، ومنها: الجار الغربي واختلافه عن الجار العربي، أو أسلوب التعليم إلى آخر الأشياء التي جمعها جزاه الله خيراً، وتدل على ما يكنه هذا الغرب للإسلام والمسلمين.

ولا يخفى عليكم الآن، وكلنا نعلم ذلك أن الغرب الذي يفتخر أنه عرف العدالة والحرية، والمساواة، ومعاني الإنسانية، الآن من إيطاليا إلى أسبانيا إلى فرنسا إلى بريطانيا يغيرون قوانين الهجرة وقوانين الإقامة ليضيقوا على المسلمين، وليسلموا المسلمين إلى من يطلبهم من حكوماتهم، كيف يسلم فلان من أمريكا؟ وكيف يسلم فلان من ألمانيا؟ والقانون لا يسمح، فليغير القانون، فالغرب الذي يفتخر بأنه قانوني أو نظامي وأنه لا يتعدى القوانين والأنظمة، وأنه لا أحد فوق القانون، ولا شيء فوق القانون -كما يزعمون- لكنه يغير القانون، إذا كان في تغييره تحقيق مضرة بالمسلمين أو بمسلم أو بداعية من دعاة الإسلام {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:١١٨] والأخص منهم المتسلطون وأصحاب الرأي وأصحاب القرار، وإلا ففيهم لا شك من ينكر ذلك، لكن الأغلب وأصحاب القرار والمتنفذين هم بهذه الصفة كما نسمع هذه الأيام.

ومن تشنيعهم وتشهيرهم أنهم ينشرون مثل هذه الصورة المزرية، صورة نوع من القردة، وهو لابس عقالاً عربياً وبيده خرطوش الأنبوبة (البنزين)، يعني أن العربي عندهم وفي نظرهم قرد كالح الوجه يلبس هذا العقال الذهبي، ورأس مالهم هذا البترول، وطبعاً رأس الأنبوبة ليس بنزيناً، إنما هو عملات ورقية، أي: أن أكثر الفئات قيمتها عشرون دولاراً، أو خمسون، فالمهم أن هذا هو العربي أو هذا هو المسلم في نظر الغربيين.

فهذه الصورة صورة عادية عندهم، ونجد الآن في المكتبات لديهم أنها تباع ككروت مراسلات طريفة، فيمكن اختيارها وإرسالها إلى زميل، ليضحك إذا رآها ويرفه عن نفسه، وأن هؤلاء هم العرب وهؤلاء هم المسلمون، وقد قرأنا قبل فترة في إحدى الجرائد المحلية مقالاً بعنوان "عاصمة النور" وإذا به يتكلم عن باريس عاصمة النور -كما يسمونها- وهي بلاد الفسق، والدعارة، والكفر، والظلمات، والفجور، فهذه هي عاصمة النور!! فأي نور جاءنا من الغرب؟! ومتى؟ وفي أي مرحلة من تاريخنا جاءنا النور من الغرب؟ ما جاءتنا إلا الحروب الصليبية، وما جاءنا إلا الاستعمار القديم، والآن يأتينا الاستعمار الحديث وهو أخبث الثلاثة، أما النور فما رأينا أي نور على الإطلاق جاء من الغرب، وإنما يسمي الغربيون باريس عاصمة النور في نظرهم، لأن الثورة الفرنسية قامت ونادت بأن الناس سواء، وأن لهم حقوقاً متساوية، وألغت بعض الظلم الموجود، وهذا أمر معلوم عندنا.

فحتى العرب في جاهليتهم لم يكن عندهم صورة من المظالم، كتلك التي كانت في أيام الإقطاع في أوروبا، بل كان العربي يأنف أن يستعبده أحد، أو يذله، ويقاتل عن حريته إلا إذا أُسِر فهذا مغلوب على أمره، فالنظام الإقطاعي البغيض الفظيع بمظالمه وظلماته التي كانت في أوروبا، لم نعرفه في جاهليتنا، فما بالك بعد أن منَّ الله علينا بالإسلام، وأنار قلوبنا، وحَرْرْنا العالم بالإسلام، والحمد لله.

ولو أنصفوا لعلموا أن الثورة الفرنسية التي لم يمر عليها إلا ٢٠٠ سنة وقليل من السنوات، إن كانت دعت إلى خير أو إلى مساواة أو إلى عدالة، فهي جزء من تأثرهم بالإسلام، ولا شيء غير ذلك، والمسلمون علموهم ذلك، لكنهم ينكرون ويجحدون كل فضل، ويصورونا بهذه الصورة الشنيعة.

وحتى لا نظلمهم، فهل يقصدون بهذه الصورة الشنيعة صورة الإنسان المسلم دائماً وأبداً؟ لا ندري ولا نجزم، لكنهم يقصدون أقرب شيء يحتجون به على الإسلام أو على المسلمين وهو واقع المسلمين المعاصرين الآن، فلا نقول: إنهم يريدون بهذه الصورة الصحابة أو الجيل الأول أو الثاني ولا نستطيع أن نجزم، لكن الجيل الحاضر الآن هو الذي تنطبق عليه الملامح وتنطبق عليه الملابس التي صوروها وجعلوها.

ولنا دور كبير جداً، في الإساءة إلى أنفسنا وإلى ديننا، وكما قال الشاعر:

ومن دعا الناس إلى ذمه ذموه بالحق وبالباطل

هكذا قالت العرب في حكمتها: ذموه بالحق وبالباطل؛ لأنه دعا الناس إلى ذمه، فمن يذهب إلى تلك البلاد -وهم كثير خاصة في هذه الأيام، وقد قلنا: ذكِّروا الناس وعِظُوهم من السفر إلى بلاد الكفر- فإنه يدعو الناس إلى أن يذموه، وأن يذموا بلاده، دينه وحضارته وتاريخه بما يفعل من موبقات.

إن سكر الغربي قليلاً فيسكر هذا أضعافه، وإن زنا الغربي أحياناً، فهذا لا يذهب إلا ليزني -والعياذ بالله- ولا نتكلم عن الأخيار الذين يذهبون لغرض شرعي محدود، وهذا قليل، ولكن أقصد من ذهب وهذا حاله فهم يتفننون؛ بل نقول: يخرجون عن الحدود المألوفة حتى في الفجور والفساد، والفسق، والكفر، ولدى كل واحد منهم مجموعة من الشيكات أو حزمة من الدولارات، وينفق ويبذِّر ويتلاعب كما شاء، والعالم المتحضر حين يرى هؤلاء تتحسر قلوبهم.

ولذلك لا نقول: أين الضمير الغربي عندما يرى أموالنا تهدر، وعندما يأخذ خيراتنا، ويسيطر على كل مقوماتنا، لا نقول: أين ضمائرهم؟ لأننا -يا أخي- نحن سلبناه ضميره، فأي ضمير عنده؟ لو رأيت مجنوناً أو طفلاً أو عابثاً يرمي الذهب ويكسره، أو يقطع الريالات ويرميها، لقلت: أنا آخذها وأستفيد منها، أو أعمل بها مشروعاً خيرياً، أو أي شيء أحسن من هذا العابث اللاعب، فأعمالنا وتصرفاتنا هنالك تغريهم بأن ينسوا ضمائرهم وأن يتخلوا عنها.

ثم أي ضمير يبقى مع الحقد الذي تؤججه وسائل الإعلام ليلاً ونهاراً؟ وأي ضمير يبقى مع الدعاية الصهيونية والصليبية العريضة التي تلبس كل جريمة ثوب الإسلام؟ فإذا قبض على مجرم في نيويورك أو في أي مكان قالوا: متطرف إسلامي.

فكم مجرماً سمعتموهم قبضوا عليه ونسبوه إلى دينه؟ قبضوا على بعض المجرمين في مصر، مع أنهم جاءوا إلى مصر في عمل تنصيري خبيث، وكان من جملة ما يعملون، أنهم يوزعون مصاحف محرفة فيها تغيير الآيات التي فيها المسيح وغيره، ليوافق دين النصارى ويوزعونها بين الجهال في مصر، واكتشفوا القضية ثم سفروهم وانتهى الأمر؛ وكأنه لم يحدث شيء.

ولم يقولوا: إنهم كفار بروتستانت أو نصارى أو كذا، وإنما: مجموعة من الأمريكان، وكانوا كذا، وانتهى الأمر، سبحان الله! حتى الجرائد التي نشرت هذا الخبر ليست من الجرائد الرسمية إنما هي إحدى الجرائد المعارضة -كما يسمونها- الوفد أما نحن فنلبَّس ذلك.

حتى إن واحداً منهم في إحدى المجلات الإسلامية انتقد هذا، وكان عنده شيء من العدل، وقال: إن تحميل المسلمين لحادث تفجير المركز التجاري العالمي -جميع المسلمين- ذلك يشبه كما لو أن كوروش حمل النصارى جميعاً ما عمله، وقال: لماذا نحمّل الإسلام؟ ليس من العدل.

فهكذا هم، ونحن الذين دعوناهم إلى مثل ذلك، ونشكر الأخ الذي أرسل هذه الرسالة، ونرجو إن شاء الله أن يوافينا بالمعلومات الأكثر؛ لأننا في حاجة أن نعرف هؤلاء ونعرف كيف نقاومهم، وكيف نجابههم، خاصة من فرض عليه أن يقوم هنالك؛ لأن الإخوة هنالك يقولون: كيف نعمل؟ وكيف يمكن أن نقاوم هذا؟ ونحن يجب علينا أن نمدهم بأي شيء نستطيعه، ليدرؤا الشر هناك في منابعه، وليروهم صورة الإنسان المسلم الطاهر التقي العفيف الورع الحكيم الذي لا يسرف في نفقته، وفي ماله، وفي مظهره ولا يقتر، نريد أن يروا الصورة الحسنة للإنسان المسلم، فيسلم منهم كثير بإذن الله، وهذا شيء طبيعي جداً أن يتقبل كثير منهم بإذن الله الإسلام، إن رأوا هذه الأخلاق -أخلاق النبوة-، فمن الواجب أن يكون بيننا هذه الصلة وهذا التعاون.