للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصدق في التوكل على الله]

علينا أن نراجع أنفسنا في مسألة الاعتماد والتوكل على الله والأخذ بالأسباب، ويجب علينا أن نراجع قلوبنا ونعيد الإيمان الصادق والتوكل في قلوبنا؛ فنقول ونحن صادقون: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥]، فلا نستعين إلا بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا نستعين على أعدائنا بأعداء الله نتيجة تفريط منا، فنحن كنا السبب فيه، وأن نكون صادقين مع الله في الاستعانة به والتوكل عليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

فلو أخلصنا أعمالنا لله وصدقنا في التوكل عليه لنصرنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كما قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر:٥١]، وقال أيضاً: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:٤٠]، وقال: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:٤١]، وقبل ذلك يقول تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج:٣٨].

فلابد أن نكون متوكلين على الله وحده، معتصمين بحبل الله وحده، مؤمنين بالله وحده، ثم إن علينا أن نأخذ بالعلاج القرآني؛ العلاج الذي جعله الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مانعاً لوقوع العذاب إذا أدرك أمة من الأمم، يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:٤٢ - ٤٥]، ويقول تعالى في سورة أخرى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) [الأعراف:٩٤]، فيريد الله -عز وجل- منا في هذه الآيات الضراعة واللجوء إليه، وأن نعلم أنه لا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه؛ وأنه لن ينصرنا إلا هو، وأن بيده كل شيء، {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم:٤٢] وهو خالق كل شيء، وخالق الأسباب والمسببات، وهو الذي إن شاء سلط على الكفار عذابًا من عنده أو بأيدينا؛ فهو يدافع عنا إذا كنا صادقين معه بما يشاء وكما يشاء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولكن! أين نحن من هذا؟! قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:٩٦ - ٩٩]، فقد أصبح حالنا -مع الأسف- مثل الذين قال الله فيهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة:٥١ - ٥٢].

فوالله لو صدقنا مع الله ونصرنا دين الله، وأعززنا كلمة الله، ورفعنا شأن الدعاة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ونشرنا الخير في مجتمعنا، وقضينا على بذور الشر، وحذرنا من هذا العدو بجبهتيه وكلا طرفيه وانتبهنا له، وقاومنا شره وفساده عسكرياً وأخلاقياً؛ فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لن يخذلنا ولن يتركنا أبداً، وإن كان غير ذلك نحشى -وهذا أخشى ما أخشاه- أن تكون هذه بداية الملاحم.