للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نبذة عن الحرب مع الروم]

أما الروم ذات القرون، فكلما هلك منهم قرن ظهر قرن آخر، ولذلك حاربونا أيام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك، ثم حاربونا في أيام أبي بكر وكانت اليرموك وما بعد اليرموك؛ ثم جاءوا في الحروب الصليبية وحاربهم نور الدين وصلاح الدين -رضي الله عنهما ورحمهما- على ما بذلا؛ لأنهما أعطيانا العبرة والقدوة في حالة الضعف.

فكيف يمكن أن ننهض -كما هو حالنا الآن، من هذا الذل والضعف والهوان الذي نسأل الله أن يرفعه عنا؟! ثم جاءوا في حروب الإستعمار -كما سمي-، ثم جاءت هذه الهجمة التي لا يعلم عاقبتها إلا الله، ونسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن تكون نهايتها للمسلمين، ولكن بالشروط التي ذكرناها، إن شاء الله تعالى.

فالروم ذات القرون كلما هلك منهم قرن ظهر آخر؛ فقد أهلك الله الإنجليز الذين كانوا يخافون أشد الخوف ويخشون أشد الخشية من دعوة التوحيد في هذه الجزيرة؛ وأي مسلم -والحمد لله- يطلع على التاريخ الحديث المتخصص يجد في الوثائق البريطانية العجب العجاب!! فهناك دراسة عن الدولة السعودية عند أول نشأتها الأولى ثم الثانية ثم الثالثة؛ وهذا يدل على خوفهم ورهبتهم من وجود هذه الدعوة (دعوة التوحيد) فهذا قرن من قرون الروم، ظهر وحارب الإسلام والمسلمين طويلاً؛ فدمره الله، ثم جاء قرن آخر وهو الأمريكان، وقد يأتي قرن ثالث، والله أعلم كيف تنتهي الأمور.

فهذا عدو أبدي مقيم لا تنتهي عداوته إلى قيام الساعة، ولابد أن تعد له العدة، ولا تكون هذه العدة أموراً أو تصرفات عجلة؛ أو عواطف تثار؛ لأنها حرب طويلة الأمد؛ فأول ما يجب أن نبدأ به الآن في مرحلتنا هذه هو نشر الدعوة إلى الله والضراعة واللجوء إليه، فنعلم أنفسنا وجميع الناس التوكل على الله وحده، وننشر مفاهيم عقيدة الولاء والبراء في الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ثم تأتي مرحلة الجيل التي ذكرها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بعد آيات الولاية التي في سورة المائدة، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} [المائدة:٥٤] أي: حين يوالي الكفار، ويكون مثلهم، {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:٥٤] إذاً: هذا الجيل سيخرج -بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ولن يخرج إلا في مثل هذه المحن وهذه الفتن والشدائد؛ لأنه سيخرج صلب العود، قوي الإيمان متماسك البنيان؛ فعلينا أن نعد له العدة الآن وذلك بتمهيد ونشر عامٍ للعقيدة الصحيحة، ولكل المفاهيم التي سبق ذكرها؛ ثم تكون بعد ذلك الملاحم مع الروم التي ستطول، ولكنه قدرُ هذه الأمة فتنزل الروم بالأعماق بدابق اليهود كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسوف تكون معارك طويلة جداً؛ فإذا كنا مع الله وصدقنا؛ فسوف ينصرنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

إذاً: فالأمر لن يكن مفاجأة، ولكنها عملية خطط ورتب لها، ولها أدلة كثيرة، والأمر -أيضاً- لن يكون بالسهولة التي نتصورها؛ بأن هؤلاء الأعداء لن يفعلوا ما يضيرنا؛ وسيرحلون بهدوء، فلا نقصد فقط أمتنا هذه، بل الأمة الإسلامية عموماً كلها، فهي تهمنا؛ لأنها أمة مؤمنة، فـ الكويت قد احتله العراق؛ ولكن مقابل هذا الاحتلال احتلت الأساطيل الغربية -وعلى رأسها أمريكا - المحيط الهندي، والبحر الأبيض المتوسط، والشرق الأوسط والمنطقة بأكملها، وأصبحت تحت ولا يتها وهذا إحدى علامات ومصداقية وثمرات الوفاق الدولي الذي تريده أمريكا فـ الاتحاد السوفيتي -فعلاً- التزم بالقرارات الدولية؛ ولأنه جزءٌ من الغرب، داخل ضمن الهيمنة الأمريكية، فليس له رأي منفرد.

-وكما سمعنا مراراً وتكراراً في الواقع- فلم يسبق للغرب في أي مرحلة من مراحل تاريخه أن توحد بمثل هذا الإتحاد إلا في الحروب الصليبية الأولى، ففي الحرب العالمية الثانية كان هناك محور شرقي ودول الحلفاء، أما الآن فقد توحد الكل؛ فها هي ألمانيا قد غيرت دستورها من أجل أن تشارك في هذه العملية.

إذاً فالغرب قد توحد ولكنه لم يتوحد إلا لأهداف بعيدة المدى، وإنه يؤلمني جداً ويؤلم كل مؤمن أن تظل هذه الأهداف بعيدة عن كثير من الناس ولكن يعلم الله أني لو رأيت من يقول هذا الكلام ويوضحه؛ لما احتجت أن أقوله؛ لأنها أمانة يجب أن نقولها، فهؤلاء ما تألبوا ولا تكالبوا إلا لأمر عظيم.