للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اللجوء إلى الله]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة السلام على سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

في أحد وبعد أن انتهت المعركة بما انتهت، إذا بـ أبي سفيان -قبل إسلامه- ينادي المسلمين، فكان فيما قال: لنا العزى ولا عزى لكم، أي يخاطب المسلمين بعد جراحهم، وبعد أن قتل منهم من قتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (ألا تجيبوه؟! قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم) ثم قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر والحرب سجال، فقال عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.

الله مولانا ولا مولى لهم، فإنه جل وعلا الذي نصر نوحاً بعد أن تجمع عليه قومه، ولم يبقَ معه إلا القليل من المستضعفين، فسخروا منه، واستهزءوا به، كان معه ضعفاء القوم وأراذلهم، ولكنهم في الإيمان قمم وجبال: {قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} [هود:٣٨] نعم.

الله مولانا ولا مولى لهم، فرفع نوح يديه إلى الله عز وجل قال تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر:١٠] فإذا بسنن الكون تتغير، وإذا بالسماء التي لم تكن تمطر ينهمر منها الماء، وإذا الأرض القاحلة، والصحراء التي ليس فيها ماء تتفجر بالعيون: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:١٠ - ١٢].

هود عليه السلام جاء قومه يدعوهم إلى الله عز وجل؛ فأرادوا قتله، فقال وقد توكل على الله عز وجل واستنصر به، قال يا قوم: {أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دِونِه * فَكِيدُونِي جَمِيعاً} [هود:٥٤ - ٥٥] أي: تجمعوا عليّ كلكم، قال: {فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ} [هود:٥٥] أي: لا تؤخروني بل اقتلوني، واصنعوا ما تريدون، أي قوة يملكها هود عليه السلام، إنه يملك أعظم قوة، إنه التوكل على الله عز وجل: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود:٥٦].

الله مولانا ولا مولى لهم، فإذا بقوم عادٍ مرت عليهم الأيام، فأرسل الله عليهم جنداً من جنوده، ريحاً صرصرا في أيام نحسات، إنها ريحٌ شديدة باردة، تحمل الواحد منهم إلى السماء، ثم تطرحه على الأرض؛ فينفصل رأس أحدهم عن جسده: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ} [الفجر:٦ - ٨].

كانوا يتحدون ربهم جل وعلا، وكانوا يقولون لهود: {ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [العنكبوت:٢٩] وكانوا يفتخرون أنهم أعظم قوة على وجه الأرض، فكانوا يقولون: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:١٥] أي: ليس في الأرض قوة أعظم من قوتنا، وهذا جنون العظمة، الغطرسة، الكبر، العتو، ولكن النهاية: {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة:٧ - ٨]