للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ابن تيمية وطلبه للعلم]

شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله، هذا الشيخ كان صغيراً، وكان يحمل ألواحاً كبيرة، تخيل كيف كان يمشي مسافات بعيدة على رجليه! ما عنده دفاتر ولا ألواح خشب يحملها من أجل أن يكتب عليها الدرس، في يوم من الأيام رآه شيخ سمع أن هذا الولد نابغة -أي: عقلية جبارة، تقول له الجملة مباشرة يحفظها، هل هذا موجود فينا؟ إذا عملت اختباراً يتبين من النابغة؟

أما شيخ الإسلام فهو نابغة من نوع ثاني- جاء إليه هذا الشيخ فقال له: أنت ابن تيمية؟ قال: نعم.

أنا ابن تيمية وكان صبياً صغيراً، قال: أعطني اللوح؟ قال: تفضل، فكتب عليه ثلاثة عشر حديثاً، فقال له: اقرأ، فقرأ عليه، يقول: فأخذت اللوح منه، فقلت: أسمعه عليّ، فقرأ الثلاثة عشر حديثاً كلها قراءة واحدة، حفظ الثلاثة عشر حديثاً، الآن لو أقول لكم: رددوا حديثاً واحداً عشر مرات هل تحفظونه؟ هذا قرأ ثلاثة عشر حديثاً حفظها مرة واحدة بقراءة واحدة.

يمكن أن تقول: لا يمكن هذا أتعرف ما الفرق؟

نحن عقولنا امتلئت بقصص، وأشعار، وأفلام، ومسلسلات كرتونية، امتلئت بأسماء لاعبين بأسماء ممثلين وممثلات بأسماء موديلات السيارات بأنواع اللعب وبغيرها من الكلمات التافهة التي لو أتيت يوم القيامة قد لا تدخلك النار لكن لا تنفعك لدخول الجنة، لا تغني ولا تسمن من جوع.

إذاً: أخي الكريم! عرفت الفرق بيننا وبينهم؟ ماذا سمى الله عز وجل الذين ذهبوا؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا} [الأحزاب:٢٣] رجال! هؤلاء هم الرجال، ليست الرجولة في لعب الكرة، ولا في تمثيل بطولة مسلسل، وليست القضية أن أركب أفخم سيارة وأمشي بين الناس، ليست هذه هي الرجولة! إنما الرجولة في قول الله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [النور:٢٣].

هل عاهدت ربك على حفظ القرآن، فهذا هو الصدق وهنا الرجولة.

بعض الشباب يقول: عاهدت ربي أن أصلي الخمس الصلوات في بيت الله، وأختم القرآن بعد تسع سنوات، هذا عهد بينك وبين الله، احضر مع الشباب الصالحين، المركز إذا كان عندهم مدرسون في المسجد أو الديوان فاحضر معهم في كل المجالس، هذا عهد بينك وبين الله من يوفي بهذا العهد؟ الرجل، {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} [الأحزاب:٢٣].

من الرجال من قد ذهبوا شيخ الإسلام أين هو؟ ذهب، وكلما قلنا: شيخ الإسلام نقول: رحمه الله، ندعو له، لكن إذا قلنا ذلك اللاعب الذي اعتزل قبل خمس سنوات، نقول رحمه الله؟ لا.

بل أقصى ما يحصل عليه هذا اللاعب لو صار نجماً من النجوم، ويصفق له عشرون واحداً في المباراة وفي النادي، ثم يصير أكبر لاعب، ما هي جائزته؟ أعلى جائزة يحصل عليها أنهم يعطونه حذاءً ذهبياً! أسمعتم بهذه الجائزة؟ يعطى حذاءً ذهبياً -أي: يكرم بالحذاء- وإذا قلنا: حذاء في المجلس، ماذا نقول؟ نقول: أجلك الله، وكرمك الله.

إذاً: مستواه أن يحصل على حذاء، لأن جدارته وبطولته في جزمته في رجله -أجلكم الله- إذاً أيهما الرجلان؟

قبل أيام فتحت الرادو (المذياع) فإذا بي أسمع لشاب عمره أربع عشرة سنة في الخبر، في السعودية، يقرأ القرآن بأحسن ما يكون، وسأله الشيخ الذي يسمع له، قال: كم تحفظ؟ قال: أحفظ القرآن كاملاً، عمره أربع عشرة سنة، بل أزيدك من الشعر بيتاً، قبل أشهر أعطت المغرب جائزة لشاب ختم القرآن كله وكان عمره سبع سنوات، ختم القرآن كله: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور:٣٧] لا تلهيه الملاعب ولا الشوارع، ولا ألعاب الأتاري والكمبيوتر، ولا النوم على الفرش، ولا صيد الحمام وتربيتها عن ذكر الله، يجعل ساعة للقرآن وساعة للعب.