للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

توبة شاب كان ماجناً فأصبح مجاهداً

اسمع إلى هذا الخبر: شاب أسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي، لا يعرف في الدنيا إلا الذنوب، حتى الصلاة لا يصليها، رجل ضاقت به الدنيا بما رحبت يعاشر النساء، ويشرب الخمور، ويستمع إلى الأغاني، ولكنه ما حصل على السعادة.

وسل وابحث في قلوب أولئك العصاة هل تجد فيها سعادة؟! لا والله، إذا جاء الليل وحل ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت، قلوب مظلمة، وصدور موحشة، ووجوه قد أغشيت كقطع من الليل مظلما.

يقول: ضاقت بي الدنيا بما رحبت، فسافرت إلى بلد آخر إلى أخي كي أزوره وكان أخوه صالحاً، فسلَّم عليه وقال له أخوه: ما الذي جاء بك؟ قال: أصبت بالضيق وبالضنك، ولا أدري إلى أين أذهب، فجئت أجلس عندك، فرحب به أخوه، وبات عنده تلك الليلة، ولم يقم لصلاة الفجر، فجاءه صاحب لأخيه، وكان في الديوانية، فأيقظه للصلاة، وقال له: يا فلان! قم لصلاة الفجر، فقال له: اذهب عني واغرب عن وجهي، فذهب وجلس يفكر في تلك الكلمات، حتى كان يقول له ذلك الرجل: يا فلان! جرب الصلاة، جرب الراحة في الصلاة لن تخسر شيئاً، جرب الركوع، والسجود، والقرآن، جرب أن تقف بين يدي الرب تبارك وتعالى، ألا تريد السعادة؟! ألا تريد الراحة؟! قال: فأخذت أفكر في تلك الكلمات، حتى اغتسلت من جنابة وتوضأت وذهبت إلى بيت الله، فأخذت أصلي، ثم بكيت ولم أشعر بالسعادة منذ زمن طويل، وما شعرت بها إلا لما خررت ساجداً لله جل وعلا، يقول: ثم مكثت يوماً عند أخي، ثم سافرت إلى أمي في البلد الذي كنت فيه، وأقبلت على أمي أبكي، تقول: ما شأنك؟ ما الذي غيرك؟ قلت لها: يا أماه! تبت إلى الله جل وعلا يا أماه! رجعت إلى الله يا أماه! أنبت إلى الله.

يقول الذي يروي عنه الرواية: ومكث أياماً ثم جاء إلى أمه، فقال: يا أماه! أطلب منك طلباً، أرجو ألا تردي هذا الطلب، قالت: وما هو؟ قال: أريد أن أذهب إلى الجهاد في سبيل الله أريد أن أقتل شهيداً في سبيل الله.

انظر -يا عبد الله- إلى سعادة الإيمان، وانظر إلى لذة الطاعة، وانظر إلى سعة الدنيا والآخرة يا أماه! أريد أن أذهب إلى الجهاد، فقالت أمه: يا بني! ما رددتك وأنت تسافر إلى المعصية فهل أردك وأنت تذهب إلى الطاعة؟! اذهب -يا بني- إلى أي مكان تشاء، فذهب إلى الجهاد في سبيل الله.

وفي يوم جمعة وقد كان في المعركة معه أصحابه، جاءت طائرة فرمت تلك المتفجرات والصواريخ، فأصيب صاحبه -وليس هو- بشظية فحمله ليسعفه، فإذا بصاحبه تفيض روحه إلى الله جل وعلا، فحفر لصاحبه قبراً فأدخل صاحبه في القبر، ثم رفع يديه وقال: اللهم إني أسألك ألا تغرب عليَّ شمس هذا اليوم حتى تقبلني شهيداً عندك يا ألله، يقول: ثم أنزل صاحبه، فإذا بغارة فيتحرك من مكانه، فإذا بشظية تأتيه، فإذا بنفسه تفيض إلى بارئها: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:٢٧ - ٣٠] نرجو له الشهادة.

يا عبد الله! أتعلم كيف يبعث؟! يبعث وجرحه يثعب دماً اللون لون الدم، والريح ريح المسك، يدفن هكذا -لا يغسل ولا يكفن- في ثيابه ودمه، يدفن -يا عبد الله- حتى يبعث عند الله شهيداً في سبيل الله.