للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[وقفة محاسبة]

عبد الله: هؤلاء الزهاد العباد، وهذا قولهم، فما قولنا يا عبد الله؟! لم هذه الغفلة؟ إنها النظرة، إنها الكلمة، إنه المجلس الذي نستمع فيه إلى الغيبة والنميمة، إنه يا عبد الله الذنب على الذنب على ذلك القلب حتى صار كما قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:١٤] النكتة بعد الأخرى، حتى صار القلب أسود، وصار لا يفقه، وصار بينه وبين ذكر الله حجاب، وصار كأن في أذنيه وقراً لا يتدبر، حتى أن بعض الناس يشتكي يقول: والله أفكر في المعصية في السجود (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) فأي غفلة؟! وأي ملهيات أوصلتنا إلى هذه الحالة؟!

أخي الكريم: جلسة محاسبة، حاسب نفسك، قبل أن يحاسبك الله جل وعلا، وزن هذه النفس، ضع كفة حسنات وكفة سيئات، وانظر أيهما ترجح؛ كفة الحسنات أم كفة السيئات، وإياك إياك أن تلتفت يمنة ويسرة، وتقول: أنا أفضل من غيري، فإن الأولين كانوا يبكون؛ عمر قبل الوفاة قال لابنه عبد الله: يا بني! ضع خدي على الأرض قال: لمََ يا أبي؟ قال: يا بني ضع خدي على الأرض، فأنزله ووضع خده على الأرض، وقال: ويل لأمي إن لم يغفر لي ربي، ويل لأمي إن لم يغفر لي ربي قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون:٦٠] قلوب خائفة، يصلي ويصوم، ويركع ويسجد ويتصدق، ولكن القلب خائف: {أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:٦٠].

تقول زوجة مسروق: كان يقوم الليل حتى تنتفخ القدمان، فإذا أذن الفجر يزحف كما يزحف البعير، تقول: وأنا أجلس خلفه وأبكي على حاله، هكذا السابقون يا عبد الله!

يروى عن عثمان أنه كان يختم القرآن كله في ليلة، لا تقل لي: هذا خلاف السنة، أين نحن من السنة؟ أين نحن من قيام الليل يا عبد الله؟ يختم القرآن كله في ليلة، قتل وهو يقرأ في المصحف، طعن تسع طعنات، حتى سال الدم على المصحف، فقالت زوجته وهي تبكي: قتلتموه وإنه ليحيي الليل بالقرآن، أنزل الله فيه: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} [الزمر:٩] لا التلفزيون، ولا السهرات، ولا مباريات، بل: {قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً} [الزمر:٩] اشترى الجنة ثلاث مرات، ومع هذا يقوم الليل كله: {يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:٩] هذا هو العلم النافع الذي يؤدي بك إلى قيام الليل، وصيام النهار، وقراءة القرآن، وذكر الله: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال:٢] يوجل القلب ويخاف {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:٢].

أخي الكريم: هذه وقفة في طريق العمر، ولعلنا نلتقي وإياك عند الله جل وعلا، وما يدريك، فلعلنا نكون تحت عرشه يوم القيامة، ولعل الله عز وجل يظلنا في ظله يوم لا ظِلَّ إلا ظٍلُّه، فتأتيني، فتقول لي: يا فلان، تذكر تلك الجلسة، لقد تغيرت حياتي بعدها، لا ندري، لعلي أقبض بيدك وتقبض بيدي، ونحن ندخل جنة الرحمن، لا ندري لعلنا نكون من أول زمرة تدخل الجنة، لا ندري يا عبد الله؟! لعلك تأتيني يوم القيامة، فتقول لي: هل تذكر ذلك المجلس؟ جزاك الله عني كل خير، فمنه بدأت أترك المعاصي، بدأت أقيم الليل، وأصوم بعض الأيام، وأعتكف على كتاب الله، به هجرت تلك المجالس.

لعلنا نلتقي عند الله جل وعلا، فذلك هو الفوز الحقيقي، {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:١٨٥].

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.