للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصدق في التوبة]

أيها الأخ العزيز: هل تفكرت في هذا المصير؟ سل نفسك أي الطريقين تختار؟ وأي الطريقين تريد أن تسير فيه؟ {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:٣] بادر نفسك بالتوبة، ولا تقل: سوف أتوب من الغد، وما تدري فلعلك لا تدرك الغد، إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء.

أخي العزيز: لا تقل يا رب تبت إليك ولا زلت مصراً على المعاصي، وعقدت في قلبك أن ترجع إليها، فإنك تستهزئ على الله، لا تقل: يا ربِ تبت إليك ولا زلت تحتفظ بالمعاصي في البيت، ولا زالت أموالك في بنوك الربا، ولا زلت تفعل المعاصي وتقول: يا رب أستغفرك وأتوب إليك، قال الله عز وجل {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:١٣٥].

جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه في غزوة مؤتة يحمل الراية بيده اليمنى -انظروا إلى أولئك النفر الذين باعوا أنفسهم لله عز وجل- فإذا بها تقطع -لو كنت مكانه ماذا تفعل- ثم مسكها بيده اليسرى، ولسان حاله: أموت وتقطع يدي ولا تسقط راية الإسلام.

فلما حملها بيده اليسرى قطعت يده اليسرى، فأصبح بلا يدين، وماذا تظنه فاعلاً؟ مسك الراية بعضديه وضمهما على الراية، فإذا بالرماح تكسر على ظهره، وهو يتلفظ أنفاسه الأخيرة ويقول:

يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وباردٌ شرابها

والرومُ رومٌ قد دنى عذابها كافرة بعيدةٌ أنسابها

وفاضت روحه إلى الله، قال عليه الصلاة والسلام: (لقد طار في الجنة).

أقول هذا القول، وأصلِّ وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وجزاكم الله خيراً.