للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية الحفظ والتكرار لطالب العلم]

العلم لا يكفي بأن تحضر درساً ثم ترجع، لا بد من الحفظ والتكرار، فمثلاً تحضر درساً في الصباح، والواحد منا لو حضر درساً في الحديث، يحفظ خمسة أحاديث في البخاري وشرحها، هل يغنيك هذا؟ لا يغنيك إلا أن تأخذ بعض هذه الأحاديث وتردد الحديث مرة وعشرة ومائة حتى تحفظ الحديث هكذا العلم، فالعلم لا ينال بالراحة لابد من التعب، الصوت يذهب من كثرة التكرار، تتعجب من بعضهم يقول: عشرون سنة مضيتها ما حفظت إلى الآن إلا خمسة أجزاء في القرآن، والبعض يقول: خمس سنوات كل ما حفظت أنساه ما السبب؟ ما الذي يجري؟ بل بعضنا يحضر في اليوم أفي الأسبوع خمسة دروس أو عشرة دروس وحصيلته في العلم لا شيء، اسمع إليهم كيف كانوا يحفظون؟

يقول جعفر بن المراغي دخلت مقبرة في تستر، فسمعت صائحاً يصيح في المقبرة، يقول: والأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، والأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، والأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، يقول: فتعجبت! ساعة طويلة وهو يردد ويردد ويردد، فكنت أطلب الصوت وأبحث عنه إلى أن رأيت ابن زهير أحد الأئمة عليه رحمة الله، وهو يدرس مع نفسه من حفظه حديث الأعمش! جالس مع نفسه وهو يردد السند حتى يحفظه هلا فعلناها مع آيات الله يجلس الواحد منا فيقرأ؟ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكٌَ} [التحريم:١] ويردد ويردد ويردد، حتى يحفظ الآية، ثم التي بعدها، ثم التي بعدها، ولا يكل ولا يمل، هلا فعلناها؟

أما أن الواحد منا يحضر الدرس ثم يرجع يلخص، ثم ماذا استفدت؟ لا شيء.

في الأسبوع القادم سله؟ يقول: هاه هاه لا أدري.

واسمع إلى غيرهم! يقول أبو زرعة عن أحمد بن حنبل: "كان يحفظ ألف ألف حديث" أي: مليون حديث قد يكون لمتن الحديث الواحد خمسون طريقاً، فتعتبر الطرق خمسين حديثاً وهو حديث واحد؛ لكن بكثرة الطرق تُعدَّد الأحاديث، فكان يحفظ من هذه الأحاديث ألف ألف عليه رحمة الله، فقيل لـ أبي زرعة: كيف عرفت هذه الأحاديث وعددها؟ فقال: ذاكرته وأخذت عليه الأبواب كلها، انظر إليهم كيف كانوا يستغلون أوقاتهم.

واسمع إلى هذا الرجل قبل الموت كيف كان يستغل وقته؟ اسمع هذه القصة العجيبة يقول الفقيه أبو الحسن عن ابن عيسى: دخلت على أبي الريحان البيروني وهو يجود بنفسه عنده حالة الاحتضار، يقول: قد حَشْرَجَ نَفَسُه واحتضر، نَفْسُه تكاد تخرج قبل الموت، قال: حَشَرَج نَفَسُه، وضاق به صدره، فقال لي في تلك الحالة: كيف قلت يوماً حساب الجدات الفاسدة؟ هذه مسألة في المواريث، يسأله قبل الموت، فقلت له إشفاقاً عليه: أفي هذه الحالة تسأل السؤال؟ قال لي: يا هذا! أودع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة، ألا يكون خيراً من أن أخليها وأنا جاهل بها؟ قال: فأعدت ذلك عليه، وحفظ المسألة قبل الموت، قال: فخرجت من عنده وأنا في الطريق فسمعت الصراخ حوله وقد ذهبت نفسه عليه رحمة الله.

البعض منا لو تقول له: يا أخي! أدرس هذا الباب في العلم، يقول: ماذا أستفيد؟ سبحان الله! تلقى الله وفي صدرك العلم خير لك من أن تلقى الله جاهلاً {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هو} [آل عمران:١٨] أعظم قضية شهد الله عز وجل بها ثم مَن بعد الله، {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هو وَالْمَلائِكَةُ} [آل عمران:١٨] بعد الله جل وعلا الملائكة تشهد، بعد الملائكة من يشهدون؟ {وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران:١٨] بعد الملائكة أهل العلم (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم).

وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (إن صاحب العلم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر) تستغفر لصحاب العلم وفرق بين هذا وذاك.

أبيت سهران الدجا وتبيته نوماً وتبغي بعد ذاك لحاقي