للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل تدبر القرآن والعمل بأحكامه]

عبد الله: إن كثيراً من الناس -وهذه بعض أخطائهم- ليقرأ القرآن فيكون همه أن يختم القرآن ختمتين أو ثلاثاً في رمضان، هذا هو همه.

فهل استفاد من قراءته؟ لا.

هل اعتبر من قراءته؟ لا.

هل ترسل وتدبر؟ لا.

هل فهم وعقل؟ لا والله.

تجد بعض الناس يقرأ القرآن والقرآن يلعنه، يقرأ قول الله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [البقرة:٨٣] وتجده يعق والديه، يقرأ قول الله: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:٢٢] وإذا به يقطع أرحامه.

يقرأ قول الله: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا} [البقرة:٢٧٨] ثم يخرج من المسجد إلى بنوك ربوية يتعامل معها.

يقرأ قول الله: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْم} [الحجرات:١١] ثم يسخر من أصحابه وزملائه يقرأ قول الله ويخالفه، ورب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه.

عبد الله: والله لأن تقرأ في رمضان جزءاً واحداً بتدبر وتعقل وتفهم، وتطبيق لأحكامه خير لك من أن تختم القرآن عشرين ختمة ولم تعقل منه شيئاً، يقول الله: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:٢٩] فالله أنزل القرآن لنتدبر الآيات ونتذكر ونتعقل، أما أن نقرأ القرآن هذاً وننثره نثراً، فلم ينزل الله القرآن لهذا: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:٢٤].

كان بعض السلف يقوم الليل كله بآية واحدة يتدبرها ويعقلها ويفهم معناها، وهذا سيد الأنبياء وإمام المرسلين عليه الصلاة والسلام يقوم الليل كله بآية واحدة: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:١١٨].

القرآن يقرأ للتدبر، ويسمع بإنصات للتعقل والاستجابة لأحكامه والعمل بها.

فكم من الناس يتدبر بل لعله يبكي ثم لا يستجيب لآيات الله وأحكامه، ولا يطبق كلام الله على نفسه وأهل بيته ومجتمعه.

يا عبد الله: ما أنزل الله عز وجل القرآن لهذا، فهذا ابن عمر عليه رحمة الله درس سورة البقرة وحفظها وعقلها في ثماني سنوات، فثماني سنوات يتدارس سورة البقرة، وهي سورة واحدة لعل بعضنا يقرؤها في ساعة أو ساعتين وابن عمر درسها في ثمان سنوات؛ فكان إماماً فقيهاً عالماً عابداً زاهداً، عقل معنى سورة البقرة، وسورة البقرة ليست كأي سورة فإنها من أعظم السور، وهي التي لا تستطيعها البطلة، يعني: السحرة.

يا عبد الله: القرآن يقرأ بتمهل وتدبر وتعقل واعلم -يا عبد الله- أن لك بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها، ومن الناس من تضاعف الحسنة إلى أكثر من عشر حسنات، فإذا حسبت بعض السور لربما تكون لك بالملايين لو عقلت وتدبرت.

فرمضان شهر قرآن لا شهر لعب، وزمر وطرب، ومباريات ونوادٍ، ولهو ورقص ومجون، وفسق وفجور، وتجول في الأسواق وأكل وشرب، ثم يخرج رمضان ولم نستفد منه شيء.

رمضان شهر القرآن -يا عباد الله- فالله الله أن نعتكف في بيوت الله، وأن نتدارس كلام الله، وأن نستمع آيات الله، وأن نعرف معاني كلام الله، وأن نطبق كلام الله في بيوتنا وأهلينا وعلى أنفسنا، فإذا خرج رمضان نكون حقاً قد استفدنا من رمضان، ومن كلام الله جل وعلا.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.